صحة وتغذية

الأمن الغذائي ضمن خطط الاستدامة الإماراتية

بقلم / المهندس سيف بدر الصيعري

خلال الثلاثينات في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ظهر مفهوم الأمن الغذائي الحديث، إذ اقترحت يوغسلافيا كعضو في عصبة الأمم نشر معلومات حول الوضع الغذائي في الدول الأعضاء في عصبة الأمم، ثم ظهر مصطلح ” زواج الصحة بالزراعة” لزيادة الإنتاج الزراعي وازدهار الزراعة الأمر الذي سينعكس على الصناعة ويعزز النمو الاقتصادي العالمي، وهذا ما كان يرتبط بالنمو الاقتصادي أكثر منه بالأمن الغذائي. وفي عام 1935 قدمت عصبة الأمم أول تقرير حول “التغذية والصحة العامة” الذي أظهر وجود نقص حاد في الغذاء في الدول الفقيرة.

عرفت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) الأمن الغذائي على أنه:” قدرة جميع الأفراد، في جميع الأوقات، على الحصول على غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ يلبي احتياجاتهم الغذائية لحياة نشطة وصحية” (FAO, 2002). ثم تم تعديل على هذا التعريف في عام 2009 بإضافة عنصر الاستقرار كمؤشر زمني لقدرة أنظمة وسلاسل الغذاء على تحمل المستجدات والتحديات سواء كانت طبيعية أو مستحدثة بفعل الانسان. وقد تمت إضافة مصطلح ” الوصول الاجتماعي” إلى التعريف في عام 2002، وفي هذا إشارة لتغير العادات الغذائية ولوجود حواجز اجتماعية ثقافية تحد من الوصول إلى الغذاء، خاصة لبعض الفئات السكانية لأسباب تتعلق بالنوع الاجتماعي أو الوضع الاجتماعي.

أما انعدام الأمن الغذائي فيكون عند توافر الغذاء الكافي والأمن وتوفر القدرة للحصول عليه بطرق اجتماعية مقبولة، الا إنه محدود وغير مؤكد الحصول عليه دائماً. وقد يكون انعدام الامن الغذائي مزمنا عند ارتباطه بالفقر الدائم مثلاً أو عابراً عندما يكون ضمن ظروف غير عادية كالكوارث الطبيعية والحروب.

يظهر للأمن الغذائي _بناء على هذا الفهم _عدة عناصر ومقومات يجب توافرها ليتحقق الامن الغذائي، أولها (توفر الغذاء) أي إتاحة الغذاء الكافي المتنوع المنتج محليا أو المستورد ، (سهولة الحصول والوصول للغذاء) بأن تتوفر بنية تحتية تسهل حصول المستهلك على الغذاء وبشكل مقبول اجتماعياً وثقافياً، إضافة لتوفر القدرة الشرائية للمستهلك للوصول للغذاء، ( الانتفاع والاستخدام الصحي) للغذاء بحيث يتناول المستهلك غذاء وماء آمن ونظيف وسليم، إضافة لعنصر ( الاستقرار) الحفاظ على قدرة الدولة والأسرة والفرد على تحمل ومواجهة التحديات التي قد تواجه سلسلة الغذاء سواء كانت طبيعية كالزلازل أو مصطنعة كالحروب، كما ان (الاستدامة) تشكل مقوما زمنيا هاما في توفر الأمن الغذائي الحقيقي.

ومن الإجراءات الفاعلة في تحقيق الأمن الغذائي بكافة مقوماته هو جعل الأمن الغذائي ضمن خطط الاستدامة، وهذا ما اتبعته الإمارات كنهج في التعامل مع قضية الامن الغذائي بالنظر لمناخها الصحراوي، إذ أبدت وتبدي اهتماماً جاداً وتضع في أولوياتها تسريع الجهود الداعمة لتنمية القطاع الزراعي، والارتقاء بمعدلات الأمن الغذائي المستدام، وتعزيز جهود تحقيق المستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051 من خلال دعم وطرح المبادرات والبرامج التي تؤدي الى تطوير القطاع الزراعي المحلي كبرنامج “ازرع الإمارات”.

وقد كانت هذه خطوة جديرة تستشرف التحديات البيئية والمناخية والاجتماعية والاقتصادية المستقبلية سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وهنا يجدر الذكر أن منظمة الأغذية والزراعة(الفاو) تعتبر الإمارات شريكاً استراتيجياً رائداً في دعم الأمن الغذائي وتطوير الابتكارات الزراعية المستدامة في ظل التحديات التي تواجه الأمن الغذائي من خلال استثماراتها الذكية في الزراعة المتكيفة مع المناخ، والمزارع العمودية، والمبادرات المبتكرة مثل “مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ”، حيث قدمت الامارات نموذجاً استباقياً لمعالجة تداعيات تغير المناخ على الزراعة والأمن الغذائي، فكانت شراكة الإمارات مع “الفاو” مثالاً للتعاون الدولي الذي يرمي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.