الإمارات ..تمديد المهلة لتصحيح الأوضاع تعزيزٌ لقيم الإنسانية والاستقرار

بقلم : طارق خليل

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً عالمياً يحتذى به في قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان، فليس التسامح في الإمارات مجرد شعارات تُرفع أو أقوال تُقال، بل هو أسلوب حياة ومنهج واضح تسير عليه القيادة الرشيدة منذ تأسيس الاتحاد وحتى اليوم.
ومن التجليات الواضحة لذلك حرص القيادة الإماراتية على توفير بيئة مستقرة وآمنة لجميع المقيمين، إذ تبادر بمنحهم الفرص القانونية تلو الأخرى لتسوية أوضاعهم بما يضمن استقرار الأسر ويعزز التلاحم المجتمعي.
وسنستعرض في هذا المقال إرث التسامح الذي أسسه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وكيف واصل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- هذا النهج، ليصبح التسامح إحدى أهم ركائز السياسة الداخلية والخارجية للدولة، مع التركيز على التسامح الديني والإنساني.

تمديد المهلة لتسوية الأوضاع.. جزء من نهج التسامح

في خطوة تعبّر عن عمق رؤية القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ قيم التسامح والإنسانية، جاء تمديد المهلة لتصحيح أوضاع المقيمين المخالفين، والذي كان من المقرر أن تنتهيَ في 31 أكتوبر، وقد تم تمديد هذه المهلة إلى نهاية ديسمبر 2024، تزامناً مع احتفالات عيد الاتحاد الـ53، ليعكس نهج التسامح الفريد الذي تبنّته القيادة منذ عهد المؤسس الشيخ زايد، وواصل السير عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد.
وهذا القرار لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل رسالة واضحة تجسد الوجه الإنساني للدولة، وحرصها على احتواء الجميع وإعطائهم فرصة للاندماج القانوني والآمن في مجتمع يرحب بالجميع. وكما أشار اللواء سهيل سعيد الخييلي، مدير عام الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، فإن هذا التمديد جاء استجابة لمناشدات المقيمين، واهتماماً باستقرار الأسر واحتياجاتها، فهي خطوة نبيلة تؤكد التزام الإمارات بمدّ يد العون لكل من يرغب في العيش والعمل بكرامة، ليظل هذا الوطن مثالاً للعالم في ترسيخ قيم التسامح والإنسانية.

التسامح في فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

منذ تأسيس الاتحاد عام 1971، كان الشيخ زايد يؤمن بأن التسامح هو الأساس لبناء مجتمع متماسك ومتلاحم، وقد عمل على نشر ثقافة التسامح والاحترام بين فئات المجتمع كافة، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية أو الدينية، حيث كان يرى أن التسامح واجب إنساني وأخلاقي يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار. كما كانت فلسفة الشيخ زايد تقوم على أن الاختلاف ليس عائقاً أمام التعايش، بل هو عنصر قوة يعزز تنوع المجتمع ويغنيه.
ومن مقولاته الشهيرة التي تؤكد هذا النهج: “إن التسامح واجب، وإذا كان الله عز وجل سامح، فلماذا لا نسامح نحن؟”، فلم يكن التسامح عند الشيخ زايد مجرد أقوال، بل كان عملاً وسلوكاً يومياً، يعكسه تعامله مع الأفراد والجماعات المختلفة في الدولة وخارجها، وبفضل رؤيته أصبحت الإمارات أرضاً جاذبة لملايين المقيمين من جميع أنحاء العالم.
كما انعكس هذا النهج في علاقاته مع الدول الأخرى، حيث اعتمد الشيخ زايد سياسة الانفتاح والحوار مع جميع دول العالم، مما أسهم في تعزيز مكانة الإمارات دولةً داعمة للسلام العالمي، فالتسامح بالنسبة له لم يكن مفهوماً داخلياً فقط، بل كان نهجاً سياسياً جعل من الإمارات شريكاً موثوقاً به في المجتمع الدولي.

التسامح الديني في عهد الشيخ زايد

كان الشيخ زايد حريصاً على تعزيز حرية ممارسة الشعائر الدينية، وقد سعى منذ تأسيس الاتحاد إلى توفير بيئة تتيح لجميع المقيمين من مختلف الديانات ممارسة شعائرهم بحرية واحترام، وقد عبر في أكثر من مناسبة عن قناعته بأن التسامح الديني واجب إنساني، وأن كل فرد له الحق في ممارسة دينه بحرية دون أن يعترضه أحد، فلم يكن هذا التوجه مجرد كلام نظري، بل اتخذ الشيخ زايد خطوات عملية لإنشاء دُور عبادة تخدم مختلف الأديان، مما أسهم في ترسيخ قيم التسامح الديني في المجتمع الإماراتي.
كما كان الشيخ زايد يرى في التنوع الديني فرصة للتعلم والتفاعل الحضاري بين مختلف الأديان، فالإمارات لم تكن يوماً دولة تفرق بين أفرادها بسبب معتقداتهم الدينية، بل على العكس، كانت وما زالت موطناً للجميع، يحتضنهم ويساعدهم على العيش بسلام وأمان.

النهج الإنساني للشيخ زايد

تجسد نهج التسامح الإنساني في دولة الإمارات من خلال المبادرات الإنسانية التي أطلقها الشيخ زايد، حيث كان يرى أن التسامح يجب أن يكون مترجماً إلى أفعال تخدم الناس وتسهم في تحسين حياتهم، ولهذا كانت الإمارات على الدوام سباقة في تقديم المساعدات الإنسانية لدول العالم، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية.
حيث كان الشيخ زايد رحمه الله يرى أن الإمارات، بما تمتلكه من مواردَ، يجب أن تكون مصدر خير وسلام للجميع، ومن هذا المنطلق، أسست الدولة العديد من المؤسسات الخيرية التي تعمل على تقديم العون للمحتاجين في أنحاء العالم كافة.

استمرار نهج التسامح في عهد الشيخ محمد بن زايد

واصل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- هذا النهج، حيث عمل على ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي وجعلها جزءاً من الهوية الإماراتية، ولم يكتفِ سموه بالاحتفاظ بإرث التسامح، بل عمل على تعزيزه وتطويره بما يتناسب مع العصر الحديث، فأطلق مبادراتٍ اجتماعيةً وقانونيةً عديدةً تدعم هذا التوجه.
وإحدى أهم هذه المبادرات كانت منح العمالة الوافدة فرصة تسوية أوضاعهم القانونية دون التعرض لعقوبات، مما يعكس حرص القيادة الإماراتية على احتضان الجميع وإعطائهم فرصة للعيش والعمل بكرامة واحترام. وإضافةً إلى ذلك، شهدت الإمارات عدداً من الإعفاءات التي جاءت في إطار تعزيز روح التسامح، مثل العفو عن كل المخالفين، وهو ما يعكس التزام الدولة بتقديم فرصة جديدة لمن خالف قوانين الدولة ، وتهيئة بيئة تتيح للجميع إعادة بناء حياتهم وتوفيق أوضاعهم بسلاسة.

التسامح الديني في عهد الشيخ محمد بن زايد

يعد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رائداً في تعزيز التسامح الديني، فبقيادته افتتحت الإمارات عدداً من المشروعات التي تحتفي بالتنوع الديني، مثل “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبوظبي، والذي يضم مسجداً وكنيسة ومعبداً يهودياً في مجمع واحد، ليكون رمزاً للتعايش السلمي والتفاهم بين الأديان. ويهدف هذا المجمع إلى تعزيز الحوار بين الأديان وإبراز القيم المشتركة التي تجمع البشرية، مما جعل الإمارات نموذجاً عالمياً في التسامح الديني.
كما شهدت الإمارات بناء أكبر معبد هندوسي في المنطقة، والذي أُنشئ في دبي، ليكون بمثابة رسالة واضحة للعالم بأن الإمارات تفتح أبوابها للجميع دون تمييز، وهذه المشروعات لم تكن مجرد مبانٍ دينية، بل هي جزء من إستراتيجية متكاملة لتعزيز التسامح الديني وتأكيد أن الإمارات موطن للثقافات والأديان كافة.

وزارة التسامح.. تجسيد لرؤية التسامح المتكاملة

في عام 2016، خطت الإمارات خطوة غير مسبوقة بتأسيس وزارة التسامح، لتكون بذلك أول دولة في العالم تنشئ وزارة متخصصة لتعزيز قيم التسامح. وتهدف هذه الوزارة إلى نشر ثقافة التسامح من خلال تنظيم فعاليات ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات وتوعية المجتمع بأهمية التعايش السلمي، حيث تعمل الوزارة على إقامة البرامج التعليمية التي تزرع قيم التسامح في نفوس الشباب والأطفال، فينشأ جيل واعٍ بأهمية التعايش المشترك وقادر على بناء مجتمع مستقر ومزدهر.
كما نظمت وزارة التسامح العديد من الفعاليات التي تستقطب مشاركين من مختلف دول العالم، مما أسهم في تعزيز الصورة الإيجابية للإمارات كدولة حاضنة للتنوع الثقافي والديني؛ وبهذا أصبحت وزارة التسامح جزءاً لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى بناء مجتمع إماراتي متنوع ومتماسك.
وفي نهاية المطاف، يمثل نهج التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى أهم القيم التي تجسد رؤيتها لبناء مجتمع متنوع ومزدهر، فقد أسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إرثاً قوياً من التسامح، وواصل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- على النهج نفسه، ليكون التسامح جزءاً لا يتجزأ من الهوية الإماراتية، فالإمارات ليست فقط دولة للعيش، بل هي نموذج للتعايش الإنساني المبني على الاحترام المتبادل والتسامح.