مرئيات

إسقاطات العلاقة مع الوالدين

بقلم / د. ولاء قاسم

من المريح لنا أن الاعتقاد بأننا متحكمون في حياتنا ونتخذ قراراتنا على أسس عقلانية وأننا أصحاب إرادة حرة وأننا نعرف من نحن وماذا نريد، لكن كل هذه الاعتقادات سرعان ما تتبدد عندما نقع فريسة لعواطف لا يمكن التحكم بها أو حتى مجرد تفسيرها، فقد ندخل في علاقة محكوم عليها بالفشل مسبقاً، ولعل المثير للدهشة هو أننا قد نكرر نفس هذا النمط مراراً..!!

في حقيقة الأمر غالبية البشر في حياتهم الواعية يسيرون نياما غير مدركين من هم بالضبط ويظهرون مظهر الاتزان أمام الآخرين لكن ذلك القناع لا يصمد كثيراً أمام العاطفة القوية أو حتى الانفعال الشديد فيبدو الإنسان متجرداً من أقنعته وحينها يدرك أن قوى عميقة في اللاوعي وجهت سلوكه وزادت اتصاله بواقع اللاعقلانية في جوهر طبيعته.

علاقة الإنسان مع أبويه تعتبر من أهم القوى التي تؤثر على الإنسان على مستوى اللاوعي وتشكل سلوكه النفسي، وغالباً ما يكون تأثير الأب على الفتاة أكثر من الأم خصوصا على مستوى العلاقات العاطفية ، والعكس عند الشباب الذين يكونون شديدي التأثر بأمهاتهم، أود في هذا المقال الذي سيتكون من عدة أجزاء أن نتناول في البداية أنماطاً مشوهة من علاقات عاطفية تقع فيها الفتاة نتيجة ممارستها لإسقاط علاقتها مع الأب.

النمط الأول هي تلك الفتاة التي تقع في حب الرجل الشاعري المعقد والذي غالبا ما يكبرها بسنوات كثيرة والذي تظن الفتاة أنها ستكون مركز كونه وسيغدق عليها اهتمامه ورعايته، لكنها عندما ترتبط به سرعان ما ستكتشف أنه ليس الرجل الهائم بها بل إنه مستغرق في ذاته ولن تنال منه الاهتمام الذي كانت تنشده.

ما يحدث هنا غالباً هو إسقاط لامرأة كانت على علاقة وثيقة بأبيها، وهو رجل على علاقة فاترة ومملة مع زوجته يعوضها في إبنته الشابة المتقدة بالحياة والأكثر مرحاً فينصرف إليها لتبث فيه الروح، لكن المشكلة هنا أن البنت تدمن اهتمام والدها المبالغ فيه وغير الملائم فتسعى في كل علاقاتها مع الجنس الآخر أن تكون مع شخص بعمر يقارب الأب وصفات تشابه صفاته لتكون محور اهتمامه وقد تختلق تلك الطبيعة الشاعرية في شريكها الجديد وتضخمها.

المرأة العالقة في هذا الإسقاط ينمو الإحباط بداخلها على مر السنين وذلك لعجزها عن رعاية نفسها واستجدائها الاهتمام من الآخرين فهي تبذل طاقة كبيرة للحفاظ على مظهر الفتاة المرحة المدللة الذي لن يدوم إلى الأبد مع ضآلة ما تجنيه في المقابل، وقد يكون من المفيد لها أن تعتدل في نظرتها لأبيها وتتوقف عن جعله من أبطال الأساطير، فهذا الاهتمام الزائد عن حده يسبب لها الضرر لأنه جاء على نحو غير ملائم تعويضا للأب عن علاقة غير مشبعة مع زوجته .

النمط الآخر الذي أود تناوله اليوم معاكس تقريباً، وهي الفتاة التي تنجذب إلى الصنف المتمرد من الرجال، فيأسرها الشخص الذي يزدري السلطات فهو متحرر مشاكس وانشقاقي لا يحب الامتثال للأوامر، وهو على خلاف الشاعري المعقد شاب صغير في السن وغالباً ما يكون بسيطاً لم يصب قدراً كبيراً من النجاح،

الارتباط به مغامرة تتوق إليها فهو يختلف عن محيطها وخارج عن المألوف، لكن المشكلة تظهر بعد الارتباط وبعد أن تتخلص من تلك النظارة الوردية التي كانت تراه من خلالها ستكشف أنه لا يلتزم بوظيفته او عمله ليس لأنه متمرد بل لأنه اتكالي كسول، وأنه برغم مظهره العصري ورأسه ذو الحلاقة الغريبة شخص تقليدي للغاية يحب الهيمنة والتسلط كغيره، فتنهار العلاقة بسرعة كبيرة لأنه لم يكن الشخص الذي تبنته في خيالها.

صديقتنا صاحبة هذا الإسقاط غالبا ابنه رجل قوي وسلطوي صارم يهاب القانون ويتمسك بالتقاليد، كان ينتقد ابنته كثيرا لأنها لم تكن صالحة ومثالية بالقدر الكافي فتستبطن البنت ذلك الصوت الانتقادي، وتمثل دور الفتاة المطيعة رغم هيجان رغبة التمرد بداخلها ومع مرور الوقت ومع عدم قدرتها على التمرد بذاتها تصبح تريد تجسيده في رجل تربط به.

إذا أدركت أي امرأة أنها ميالة لذلك الإسقاط فعليها أن تفهم حقيقة بسيطة أن ما ترغب به فعليا هو تنمية ذاتها والحفاظ على استقلاليتها وإثبات النفس والقدرة على مخالفة الرأي وقول كلمة “لا” وكلما ازدادت فرضا لنفسها كلما ازادادت فرصها للدخول في علاقة متكافئة ومرضية.

سأكتفي بهذه الأنماط وسنواصل في المقال القادم بإذن الرحمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى