بقلم / د. ولاء قاسم
يمثل التواصل نبض أي علاقة ، انقطاع ذلك النبض برفض التواصل أو العجز عنه يسد ينبوع الحب ويخلق بركة راكدة من مشاعر الوحدة والشفقة على الذات ، فعندما يكون طرفي العلاقة غير قادريين على بث الأفكار والمشاعر على نفس الموجة ، يصبح كل منهما أسير عالمه الخاص، مما يحرم العلاقة من الحوار الذي يغذي الروابط الانسانية ويثريها ، هذا النمط الهش يولد إحساساً بإنعدام الأمان العاطفي، ويزرع في نفوس الشريكين شكوكاً حول استمرارية العلاقة وطول عمرها .
في خِضم غياب التواصل، يجد العديد من الأزواج أنفسهم غارقين في حياة افتراضية ، حيث يعيشون في عوالم موازية تعزز مشاعر الغبن الوجودي والافتقار إلى الاحتواء والتقبل. يتجه البعض منهم إلى البحث عن علاقات جديدة، حتى وإن كان الثمن هدم البيوت،
و تصبح العلاقات الجديدة سبيلاً للهروب من واقع مؤلم، بينما تظل الأواصر الحقيقية على حافة الإنهيار.
من أبرز العوامل التي تخلق عجزا في التواصل وأحياناً رفضاً له هو إغفال المرأة لحقيقيةٍ في غاية الأهمية وهي أن الرجل في العلاقة يضع جزء لا يستهان به من تقديره لذاته في حِجرها ، وذلك في التحليل النفسي يرجع إلى أن الرجل اعتاد أن يستمد جلّ تقديره لذاته في سنوات الطفولة الأولى من امرأة “أُمه ” فتلك اليد التي تهز المهد تشكل العالم بالنسبة له ، وعندما يبلغ الرشد فإنه يستمد تقديره لذاته من شريكته التي كثيراً ما تجهل وجود تلك القيمة في حِجرها وقد تدوس عليها بقدميها في أثناء محاولاتها المستميته لتغيير زوجها ليطابق نسخةً نسجتها في خيالها مسبقاً .
لا يمكننا إلقاء اللوم بالكامل على محاولات المرأة للتغيير فعقلية المرأة التحسينية ، تدفع الكثيرات أن يقبلن الرجل من منظور التحسين “هنّ ينجذبن إليه ليس كما هو، بل لما يأملن أن يصبح عليه “ .
هذا التوجه قد يوقع المرأة في فخ التورط في العلاقة ، حيث تسعى للتغيير والتدخل في الآخر بعمق وغالباً يرفض ذلك الرجل لأنه يبحث ببساطة عن القبول.
نتيجة لذلك، يعيش الرجل في صراع دائم بين تقديره لذاته، وبين عدم رضاها عنه ورغبتها في تغيره ، هذا الصراع يعيق مسار العلاقة ويخلق فجوة عاطفية، مما يفقد كلاهما القدرة على التأثير في الآخر، ويتركهما في متاهة من الانفصال العاطفي.
يمكننا القول أيضاً العامل الذي يزيد تعقيد عملية التواصل بين الجنسين يتمثل سيكولوجياً في اختلاف الجوهر ، فجوهر المرأة وروحها هي المشاعر ويمكنك ملاحظة ذلك ببساطة بمتابعة حديث بين السيدات ، ستجد أن معظم الكلمات هي وصف لمشاعر المرأة في الموقف ، أما جوهر الرجل فيتمثل في الغايات والأهداف لذلك يظل الرجل يطالب المرأة بتفهم وجهة نظره ، بينما تطالبه هي بتفهم مشاعرها التي قد لا يعترف بها من الأساس .
وأنا هنا أدعو كل سيدة تلوم الرجل لعدم قدرته على مشاركتها في حديث المشاعر أن تتذكر أنه لم يألف ذلك ولم يتربى عليه في مجتمع يدفع بالذكور نحو تحقيق الأهداف وكبت المشاعر ،فكثير من الرجال يمتلك ما يسمى ” شخصية البحر الميت ” فهو يُراكم الكثير من الخبرات الشعورية دون القدرة على التعبير عنها ، بل يعتبر أن إظهار مشاعر الخزن أو الخرف والارتباك هو دليل على الضعف خصوصا امام المرأة التي عليه أن يقوم برعايتها فيظل حريصاً على عدم تصدير تلك المشاعر المرتبكة إليها وترتبط هذه الديناميكية أيضاً بكمياء المخ وإفراز الهرمونات فكثير من الدراسات ركزت على نشاطات المخ والمجهود الذي يبذله الرجل عندما يكون مطالبا بالتعبير عن مشاعره .
ولا يقتصر ذلك على المشاعر السلبية فقط بل يشمل الإيجابية منها كالحب فمثلاً لا يميل الرجل للتعبير عنها شفاهةً بل يعتقد أن كلمة ” أحبك ” التي صرح بها في بداية العلاقة يُفترض أنها تعمل وسارية المفعول حتى يتفوه بعكسها ، ويَفترِض أن على زوجته أن تستشعر حبه وتقدره من السلوكيات التي يقوم بها.
أخيراً سأدعوك للتخلي عن النظرة الرومانسية التي تحتويها عبارة ( روح في جسدين ) التي تتجاهل الطبيعة المختلفة وتلك الطريقة تكاد تكون حالمة وغير واقعية وستتركنا متأرجحين بين مثالية لم نستطع تحقيقها وتعاسة حاضرة تنذر بأن الزواج يمكن أن يتحول إلى مقبرة الحب ، فالنضج هو إدارة الأمزجة والميول واحترام الاختلاف والتعامل معه كدافع يعزز الترابط في نسيج العلاقة .