6 أسباب قادت إلى فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية

واشنطن – (د ب أ):
قد يكون من الصعب على كثيرين خارج الولايات المتحدة استيعاب سبب رغبة ملايين الأمريكيين في إعادة دونالد ترامب إلى السلطة. غير أن هناك أسباب ستة أدت إلى ذلك، وهي:

السبب الأول: العامل الشخصي

على الرغم من أن دونالد ترامب ملياردير وأصبح جزءاً من النخبة الأمريكية منذ عقود، فإنه يبدو قريبًا من الناس بالنسبة للعديد من الأمريكيين. فهو يتحدث بعفوية مثل شخص عادي في حانة، قد تصدر منه أحياناً كلمات غير ملائمة. يقول بحرية ما يدور في ذهنه، وبمقدوره أيضاً إنفاذ رأيه. كما أنه معروف كمقاتل، وليس فقط منذ محاولتي الاعتداء عليه. يبدو أن هذه صفات يرغب الناخبون في رؤيتها في البيت الأبيض. في المقابل، فإن احترافية نائبة الرئيس كامالا هاريس وقدرتها على التركيز يراها البعض أنها تتسم بالتعالي وأنها شيء غير حقيقي.

ومع ذلك، لا يعني هذا أن معظم الأمريكيين معجبون بترامب أو حتى يحبونه. في الواقع، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأغلبية لديها انطباع سلبي عن شخصيته. ورغم ذلك، ينظر إليه البعض في أغلب الأحوال باعتباره مرشحًا يمكن انتخابه، من ناحية لأنهم لا يريدون رئيسًا “قديسًا”، ولأنه يدعم مواقف تهمهم من ناحية أخرى.

أما خطاب الديمقراطيين الذي يُصور أن عودة ترامب/78عاما/، المدان في جرائم، لفترة ثانية ستكون كارثية، فلم يؤثر في كثيرين. فهو قد شغل بالفعل منصب الرئيس لمدة أربع سنوات، ولم يبدأ حروباً ولم يدمر الاقتصاد الأمريكي. ولهذا، يمكن التغاضي عن الفضائح والجدل والفوضى التي حدثت في فترته الأولى بسهولة.

السبب الثاني: المال والمال والمال

ربما لا يوجد أيّ مجتمع آخر في العالم تبنّى الرأسمالية المفرطة بشكل أكبر من المجتمع الأمريكي، حيث يعتمد النظام الاقتصادي بشكل كبير على الأسواق الحرة وتقليل التدخلات الحكومية، وفكرة المشاريع الحرة. بالنسبة للعديد من الناخبين، يأتي موضوع “الاقتصاد” دائماً على رأس أجندتهم. لكن في الحملات الانتخابية، نادراً ما كان المقصود بذلك النمو القوي أو الاتجاه العام للاقتصاد الوطني، بل إن الأمر يتعلق بأمور أكثر بساطة وهي كم سيكون سعر الزبادي والبيض والرقائق والجعة في السوبرماركت، وكم سيكون سعر البنزين؟

وكانت جائحة كورونا أدت إلى ارتفاع الأسعار بسبب التضخم – ليس في الولايات المتحدة فقط – وشعر كل ناخب بهذا الارتفاع في محفظته يوميًا، حتى مع ارتفاع الأجور بمرور الوقت. وألقى كثيرون اللوم على سياسات الرئيس جو بايدن الاقتصادية ونائبته كامالا هاريس. وأعربوا عن استيائهم بأصواتهم الانتخابية، مقدمين أولوياتهم المالية الشخصية على قضايا مثل الفضائل الشخصية أو القيم الديمقراطية.

السبب الثالث: التبعيات

تتمثل القاعدة الأكثر ولاء لترامب بالدرجة الأولى في الرجال البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية. تُظهر الإحصائيات أن دخل هذه الفئة في الولايات المتحدة كان أعلى بكثير من المتوسط الأمريكي في عام 1980، لكنه اليوم أصبح أقل منه على نحو ملحوظ. ففي مجتمع تتركز فيه الثروات الهائلة للبلاد بشكل متزايد في المدن الكبرى، خاصة على السواحل، بفضل قطاعات مثل التكنولوجيا والصناعة المالية، لم يعد النظام يعمل لصالح العمال في الولايات التي كانت تعتمد على الصناعة سابقًا، مثل بنسلفانيا.

لكن شعبية ترامب تزايدت في تأييد فئات سكانية أخرى، منها الأمريكيون من أصول لاتينية، وهي فئة كانت تُعتبر حتى وقت قريب هدفًا مهما بالنسبة للديمقراطيين. ومع ذلك، لم تتمكن هاريس من تحقيق النجاح المنشود لدى هذا الكتلة الكبيرة من الناخبين ذوي الخلفية اللاتينية. وحتى بين الرجال السود، حقق الرئيس الحالي جو بايدن قبل أربع سنوات نتائج أفضل، وفقاً للبيانات الأولية، مقارنةً بما حققته نائبته كامالا هاريس حالياً.

السبب الرابع: الخوف من استمرار الوضع على ما هو عليه

هناك مَثَل في الولايات المتحدة يقول: “أحيانًا يجب كسر البيض لصنع العجة”، ويعني ذلك أن بعض الأمور يجب تدميرها أحيانًا لإصلاحها. اعتبر الكثيرون كامالا هاريس مرشحة النظام الحاكم، بينما وعد ترامب الذي يعتبر مرشحاً مناهضاً للنظام، في حملته بتغيير جذري؛ وقال إن كل الأمور ستكون مختلفة تماماً في رئاسته، مشيرا إلى أن فوز هاريس العضو في الإدارة الحالية سيكون بمثابة استمرار للوضع على ما هو عليه.

لاقى هذا الوعد صدى بين الأمريكيين؛ إذ يشعر العديد منهم أن شيئًا ما يجب أن يتغير، ووجد هؤلاء أن الخطاب موجه إليهم عندما وصف ترامب الولايات المتحدة بصورة قاتمة، بأنها دولة آخذة في الانحدار ومكتظة بالمهاجرين. يبدو أن ترامب يمتلك غريزة لا تخطئ حيال ما يقلق الناس. في استطلاعات ما بعد التصويت، ذكر 73% من ناخبيه أن الشيء الأهم بالنسبة لهم هو أن ترامب قادر على إحداث التغيير الضروري.

السبب الخامس: عدم الرغبة في وجود امرأة سوداء في منصب الرئيس

هناك قطاعات من السكان لا تزال لا تستطيع أن تتخيل وجود امرأة على رأس أقوى دولة في العالم. ورغم تزايد عدد النساء اللاتين يشغلن مناصب حاكمات ولايات في أمريكا في السنوات الأخيرة، فإن الكثير من الناس يفكرون بشكل مختلف، خاصة في الولايات الجنوبية وغيرها من المناطق المحافظة والريفية في كثير من الأحيان. فهناك فيما يُعرف بـ “حزام الكتاب المقدس”، تُعْتَبَر البروتستانتية الإنجيلية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة، وتُعْتَبَر النسوية لدى الكثيرين هناك بمثابة كلمة نابية. كما أن عدم إنجاب هاريس لأطفال بيولوجيين لم يحظ بقبول جيد هناك.

وإضافة إلى ذلك، لا تزال العنصرية والتمييز ضد السود والأقليات الأخرى متجذرة بعمق في العديد من أجزاء الولايات المتحدة، كما تظهر الإحصائيات في جميع مجالات المجتمع. تُشكّل هذه الظواهر مجتمعة نوعاً من الشوفينية العنصرية التي يُحتمل أنها كلفت هاريس بعض الأصوات. وقد استغل ترامب هذه المشاعر في حملته الانتخابية بشكل ممنهج.

وبحسب استطلاعات الرأي بعد التصويت، حصل ترامب على أصوات أكثر بفارق كبير بين المسيحيين الإنجيليين والبروتستانت والكاثوليك مقارنةً بهاريس. وأفاد العديد من ناخبي ترامب بأن قرارهم كان يعتمد بشكل كبير على مدى ثقتهم بمن سيقود البلاد، بينما ركّز ناخبو هاريس على أهمية امتلاك المرشح لحسن التقدير.

السبب السادس: الآفاق السياسية العالمية

كثيراً ما تم التكهن قبل الانتخابات حول ما إذا كان الصراع في الشرق الأوسط سيكلف الديمقراطيين أصواتاً. بالنسبة للعديد من الأمريكيين ذوي الأصول اليهودية، لم يكن دعم بايدن لإسرائيل كافياً – بينما رأى العديد من المواطنين من أصول عربية أن هذا الدعم زائد عن الحد. وقد انعكس ذلك في استطلاعات ما بعد التصويت؛ حيث قالت غالبية كبيرة من ناخبي ترامب إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم إسرائيل بشكل أكبر.

ومع ذلك، قد يتمثل العامل الحاسم في فوز ترامب هو عزمه على إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن النزاعات الدولية قدر الإمكان. فهو يعد، على سبيل المثال، بإنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة حيث يرى بعض المواطنين الأمريكيين في ذلك ميزة، لأن ذلك يعني تقليل الأموال التي تذهب من ضرائبهم إلى الخارج.