الأرشيف والمكتبة الوطنية يطلق فعاليات مؤتمر الإمارات الدولي الثالث للتاريخ الشفاهي

كشف الغموض عن اللؤلؤ وسلط الضوء على التعليم والإرث المتبادل بين الأجيال

أبوظبي – الوحدة:
انطلقت فعاليات مؤتمر الإمارات الدولي الثالث للتاريخ الشفاهي بمقر الأرشيف والمكتبة الوطنية، والذي انعقد تحت شعار “ذاكرتهم تاريخنا.. مناهج الاستدامة وحفظ المعرفة في التاريخ الشفاهي”، وقد أكدت فعالياته أن التاريخ الشفاهي لا يقلّ أهمية عن التاريخ الكتابي؛ إذ تختزن ذاكرة رُواته الأحداث والمواقف والروايات التي تعدّ من مصادر التاريخ، وربما تكون قد غابت عن أقلام المؤرخين.
افتتح المؤتمر سعادة عبد الله ماجد آل علي مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية بكلمة أكد فيها أن الأرشيف والمكتبة الوطنية سيظل أحد الحصون الراسخة لحفظ التراث وتوثيقه، وستظل جهوده مكرسة لترسيخ الهوية الوطنية وإثراء الذاكرة الثقافية.
ولفت سعادته إلى أن أهمية الرواية الشفاهية تتجلى في تعزيز الحوار مع الماضي، بوصفها شرايين حية تربط الأجيال المعاصرة بتجارب من سبقهم، وتعمق فهمهم لخصائص مجتمعاتهم وجذورهم؛ فهي مرآة تسهم في ترسيخ عناصر الهوية الوطنية، وفي مد جسور عميقة بين الماضي والتناغم بين الحضارات، تسهم في فهم أوسع وتفاعل أكثر إنسانية بين الثقافات، ونحن ندرك اليوم أهمية ذلك؛ إذ نرى أمام أعيننا ما وثقته عدسات المصورين وآلات تسجيلهم بالصوت والصورة، وما رصدوه من الكنوز البشرية، وما نقلوه من شهادات حية من مخضرمين عاصروا أحداثاً ومواقف شكلت صفحات لا تنسى من تاريخنا، مؤكداً أن هذه الروايات ليست مجرد سرد للذكريات وإنما هي محفز يلهمنا لنقتدي بتضحيات الآباء والأجداد ونجعل من إرثهم حافزاً لحفظ ذاكرتنا الحية وملامح مجتمعنا الأصيل.
وتمنى سعادته للخبراء والباحثين والمشاركين أوقاتاً مثمرة في تبادل المعرفة والخبرات، وأن تشكل جلسات المؤتمر مساحة نستلهم فيها ممارسات جديدة لحفظ الإرث الإنساني، ونتدارس فيها طرقاً مبتكرة لتوثيق وتدوين قصصنا النادرة وأخبارنا التي ستظل نبراساً للأجيال القادمة، يستمدون منها فهماً أعمق لرحلة الإنسان ومسيرته عبر الزمن.
وبالإنابة عن الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان رئيسة مجلس إدارة ومركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، ألقت سعادة مريم حمد الشامسي الأمين العام لمؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان- كلمة ضيف الشرف التي أكدت فيها أن تاريخنا قد ظل لزمان ينتقل عبر أجيال متعاقبة عبر قصّ الحكايات الشفاهية، وأن التاريخ الشفاهي هو الوسيلة الأساسية في نقل ثقافتنا وموروثنا، وحركة الأحداث التاريخية التي مرت بها، وأن هذه القصص والحكايات والأساطير التي تنتقل شفاهياً تعتبر المؤطِر الرئيسي للمخزون الثقافي والقيمي للهوية الوطنية الإماراتية.
وأشارت إلى أنه مع التطور التكنولوجي وتعدد منهجية التوثيق العلمي والثقافي للتاريخ تراجع دور التاريخ الشفاهي في توثيق الحاضر، ولكنه بقي ركيزة رئيسية في توثيق الماضي، وأن أرشفة تاريخنا الشفاهي بصورة تحفظه هو حفظ ذاكرتنا التاريخية والإنسانية للأجيال القادمة.
وتطرقت كلمة الشيخة الدكتورة شما بنت محمد خالد آل نهيان إلى محاور المؤتمر التي تغوص في القيمة الإنسانية في تاريخنا وخاصة حين يكون اللؤلؤ محوراً رئيسياً، فهو الشاهد على فترات زمانية عاش فيها المجتمع الإماراتي ما بين فترات رخاء وفترات صعبة في العيش، فاللؤلؤ ليس مجرد مصدر اقتصادي كان يدر على أجدادنا الرزق بل هو رمز الصمود والقدرة على التكيف مع صعوبات الحياة.
وأشارت إلى أهمية الفنون الشعبية ومدى ارتباطها الوثيق بمفردات كثيرة في تراثنا الوطني، وإلى أهمية الموروث الثقافي بكل مفرداته كمرتكز رئيسي في بناء الشخصية الإماراتية الحديثة، ولكي تظل ثقافاتنا وتقاليدنا حية في قلوب الأجيال القادمة.
بعد ذلك بدأت الجلسة الأولى من مؤتمر الإمارات الدولي الثالث للتاريخ الشفاهي، بعنوان: اللؤلؤ: مصدر الغموض والصفوة والجاذبية، والتي أدارتها الدكتورة عائشة بالخير مستشارة البحوث والمنسق العام لمؤتمر الإمارات الدولي للتاريخ الشفاهي، والتي تطرقت إلى أهمية اللؤلؤ تاريخياً واقتصادياً وبجوانبه الاجتماعية والإنسانية وأثره في الثقافة الشعبية، وفي الورقة الأولى تحدث السيد مصطفى الفردان عن اللؤلؤ كمصدر للغموض والبحث عن المعرفة، فتطرق إلى المعالم المادية وأدبيات التراث المدون، وأشار في حديثه إلى بداية الغوص، وملحمة جلجامش، ثم تحول إلى الغوص في الشعر الجاهلي والأموي، وتطرق إلى أبرز الأساطير التي استمدها الناس من مهنة الغوص، واختتم كلمته بقول لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي: “نشكر التحديات التي تعلمنا منها، نشكر الظروف التي صنعتنا، نشكر الماضي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه”.
بعد ذلك استعرض السيد ديباك باتيا جوانب مهمة من قصة عائلته التي عرفت بتجارة اللؤلؤ وصناعته، وأيد حديثه بالعديد من الصور القديمة والنادرة لجده وشركائه في هذه المهنة، وتحدث عن أنواع مميزة من اللؤلؤ مثل: القمر، ودموع القمر، … وغيرهما، وتحدث باتيا عن الكتاب الذي وثق فيه عن اللؤلؤ، وأصول تجارته.
واختتمت الجلسة بما قدمه السيد محمد عبد الرزاق آل محمود من مملكة البحرين عن الاهتمام التاريخي لدول مجلس التعاون والبحرين بالغوص على اللؤلؤ، وبممارسة جده ووالده تجارة اللؤلؤ، وشغفه الشخصي به، وسرد قصصاً طريفة عن اللؤلؤ والبحث عنه وتجارته وأهميته، وقد ترك حديثه أثراً طيباً عن مهنة الغوص على اللؤلؤ في النفوس وكأنها من المهن التي وحدت دول مجلس التعاون تاريخياً، وتحدث عن اللؤلؤ كزينة للرجال في الخواتم، وأزرار الملابس، وفي السيوف والخناجر.
هذا وقد تجلى تفاعل الحضور مع موضوع الجلسة الأولى بكثرة الأسئلة والاستفسارات حول اللؤلؤ وأهميته.
هذا ودارت الجلسة الثانية حول “التعلم والإرث المتبادل بين الأجيال” وقد رأسها لورين كات مساعد أمين المكتبة الأكاديمية للأرشيف والمجموعات الخاصة في جامعة نيويورك أبوظبي، وشاركت فيها كل من: مارك أوبتن من المملكة المتحدة، وآية الحيرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهاجر فيصل عامر من مصر.
وسلطت الجلسة الثالثة الضوء على “ارتباط الهوية الوطنية والتراث بالموسيقى الشعبية”، حيث أدار الجلسة الأستاذ حميد عبد الله المزيني، وشارك فيها كل من: الدكتور فيصل إبراهيم التميمي من قطر، وأزهر كبة من العراق، وروزا ماريا أروجو من البرازيل.
وركزت الجلسة الرابعة على “مناهج استدامة التاريخ الشفاهي: نماذج من ثلاث دول” وقد أدارت الجلسة الأستاذة ميثا الزعابي رئيس قسم التاريخ الشفاهي في الأرشيف والمكتبة الوطنية، وشارك فيها كل من: الدكتور مبارك بن بلقاسم جعفري من الجزائر، والبروفيسور أليستير طومسون من استراليا، وأدريان كاين دارو من الولايات المتحدة الأمريكية.
واختتمت الجلسات بتوصيات المؤتمر وكلمة شكر للمشاركين والحضور.