أدباء ونقاد يسردون تاريخ 50 سنة من الرواية الإماراتية
الشارقة – الوحدة:
كيف كانت الرواية الإماراتية قبل نصف قرن؟ وكيف أصبحت اليوم؟ هل مهدت الأصوات الرائدة أو المبكرة في ترسيخ دعائم تجربة متمايزة يمكن وصفها بأنها التجربة الخاصة لفن الرواية في الإمارات؟ وما حجم إسهام الأصوات الشابة في الألفية الثالثة في تكوين شخصية الرواية الإماراتية؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت على طاولة النقاش في ندوة “تطور أدب الرواية الإماراتية” ضمن فعاليات الدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، وشارك فيها الروائية ريم الكمالي، والروائية صالحة عبيد حسن، والأكاديمي والقاص الدكتور شكري المبخوت، والناقد البحريني الدكتور صالح هويدي، وأدارها الروائي السوري إسلام أبو شكير.
وناقش الدكتور صالح هويدي الصعوبة في تقديم تقييم قاطع للأدب القصصي الإماراتي على مدار نصف قرن، موضحًا أن هناك خطوطًا عريضة يمكن النظر إليها كمسلمات أساسية. وأشار إلى أن الريادة في الأدب الإماراتي تعود إلى راشد عبدالله النعيمي، تحديدًا مع روايته “شاهدتك”، التي صدرت عام 1971، واصفًا إياها بأنها كانت أكثر تقدمًا من أعمال أخرى ظهرت بعدها رغم أسلوبها الذي كان متأثرًا بالأساليب الحكائية الشفاهية. وأضاف أن تلك الفترة كانت تمثل مرحلة تحول في المجتمع الإماراتي الذي كان يعاني من تدني مستويات التعليم ومنغلقًا على ثقافات خارجية محدودة.
وأشار هويدي إلى أن رواية “شاهندة” تمثل تمردًا اجتماعيًا ضد بعض المفاهيم السائدة آنذاك، موضحًا أن في الثمانينات كانت الرواية الإماراتية تميل إلى الحنين للماضي، خاصةً فترة ما قبل النفط، إذ بدأ الكتاب يتحدثون عن الرحلات التقليدية والغوص على اللؤلؤ ومبادئ الشهامة.
وتطرق هويدي إلى التطور الكبير الذي حدث في الرواية الإماراتية مع بداية الألفية الثالثة، حيث ظهرت أصوات شابة تتميز بالجرأة وتجريب أساليب سردية جديدة، بعيدة عن الحكي المباشر، لتغوص أكثر في الذات الإنسانية وتتناول قضايا نفسية واجتماعية عميقة.
من جهته، أضاف الدكتور شكري المبخوت أنه بالنسبة لبعض الأصوات الأدبية مثل الروائية ريم الكمالي، فإنها تميل إلى استكشاف الماضي وتقديمه عبر تصورات خاصة حول الإنسان الإماراتي قبل ظهور النفط، بينما ترى الروائية ميسون صقر الماضي من زاوية المؤرخ الناقد، مقدمة تحليلًا رومانسيًا لصيد اللؤلؤ باعتباره جزءًا من الهوية الإماراتية الثقافية.
وتحدثت الروائية ريم الكمالي عن رؤيتها للأدب كمرآة تعكس المجتمع والثقافة التي ينتمي إليها الكاتب، مؤكدة أن أعمالها تتناول مختلف جوانب الحياة الإماراتية وتاريخها. ولفتت إلى أن الأدب بالنسبة لها هو وسيلة للتعبير عن الذات والأفكار والمشاعر، موضحة أن الرواية تُعد “مكانًا آمنًا” لاستكشاف الذات والعالم المحيط. وأشارت إلى إيمانها بأن الكاتب يتحمل مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعه، وأنه مطالب باستخدام أدواته الأدبية لنقل المعرفة وتوعية الجمهور بالقضايا المهمة، مشددة على تشابك الماضي والحاضر في أعمالها، إذ ترى أن فهم التاريخ ضروري لبناء المستقبل. وختمت حديثها بالقول: “الأدب هو رحلة اكتشاف مستمرة، وهو وسيلة لتوسيع الآفاق والمعارف”.
من جهتها، أشارت الكاتبة صالحة عبيد حسن إلى أن الكتابة تمثل محاولة من المبدع لفهم العالم من حوله، معتبرة أن الرواية الإماراتية بدأت تكتسب شخصيتها المميزة منذ الثمانينيات والتسعينيات، وليس في الألفية الثالثة كما يعتقد البعض. وتحدثت عن تجربتها الشخصية قائلة: “أنا أرى نفسي في طور التجربة، وهذا الشعور يلازمني منذ روايتي الأولى، وأظن أنه سيبقى معي دائمًا”. وأضافت عبيد أن الأدب يفقد بريقه إذا توقف الكاتب عن التجريب والبحث عن الاستثنائي، موضحة: “الإبداع الحقيقي يكمن في الدهشة، ولا أدب بغير تجريب”.
وأكدت عبيد أن الرواية الإماراتية أصبحت تمتلك مسيرة حافلة بالتطور والتجديد، حيث توسعت موضوعاتها واهتماماتها لتشمل القضايا المعاصرة بأساليب أكثر تنوعًا وحداثة، مشيرة إلى أن الروايات التجريبية الجديدة تعكس اهتمامات متزايدة بالهوية الوطنية وقضايا المرأة، مما يعزز من عمق الأدب الإماراتي ويمنحه زخمًا ثقافيًا جديدًا.