استشراف المستقبل وحفظ التراث: فعاليات ثرية في اليوم الثاني من مؤتمر دبي الدولي للمكتبات

دبي، – الوحدة:
شهد اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر دبي الدولي للمكتبات، تنظيم نحو 35 جلسة حوارية ونقاشية وورشة عمل، سلطت الضوء على جاهزية المكتبات لمواجهة التحديات المستقبلية، والدروس المستفادة من الهجوم الإلكتروني على المكتبة البريطانية، وقضايا الوصول المفتوح إلى المعلومات، ودور المكتبات الأكاديمية في تعزيز الابتكار والتراث الثقافي لأوزبكستان وتطوره، إضافة إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الدول من خلال المكتبات، ودور المكتبات في دعم اللغة العربية.
ناقشت جلسة «كل شيء في اللعبة- تعزيز جاهزية المكتبات في المستقبل»، التي قدمها الدكتور ستيفن ويبر، مدير العلاقات الخارجية في الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات إفلا، مجموعة من المحاور الحيوية التي تركز على التحولات المستقبلية في مجال المكتبات، أبرزها تأثير الذكاء الاصطناعي، وتغيير ممارسات المعرفة، والتفاوت في توزيع التقنيات الرقمية. كما سلط الضوء على أهمية بناء الروابط المجتمعية من خلال تعزيز دور المكتبات كمنصات تشاركية لمعالجة القضايا الاجتماعية مثل الفقر والإقصاء الرقمي. وأكد ضرورة التكيف مع البيئات الرقمية المتغيرة لضمان استمرار دور المكتبات كمحفز للتغيير الإيجابي، بالإضافة إلى السيناريوهات المستقبلية التي قد تواجهها المكتبات.
وركزت جلسة «الدعم والتواصل والتمكين: ما الذي يمكن أن تقدمه جمعيات المكتبات؟»، على أهمية الدور الحيوي لجمعيات المكتبات في تشكيل مستقبل المكتبات وتمكين المجتمعات. وأكد المتحدثون أهمية الخبرة في مجال الدعوة والتعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز دور المكتبات كمراكز موثوقة للمعرفة والتكيف مع الاحتياجات المجتمعية المتغيرة، بالإضافة إلى دور المكتبات كمراكز للابتكار والتكنولوجيا والاستدامة، من خلال شراكات مع كبار المبتكرين ورواد الأعمال. كما أكد المتحدثون أهمية الجهود التي تبذلها جمعيات المكتبات لتعزيز التعاون العالمي، وربط المؤسسات المتنوعة والاستفادة من مساهمات المتطوعين في الحوكمة والاستجابة للكوارث، كما هو الحال في الحلول المعتمدة على الطاقة الشمسية في لبنان خلال الأزمات.
وتناولت جلسة «إدارة المعرفة وإدارة المعلومات: كيف يحدد هذا مستقبل المكتبات؟»، التي قدمها البروفيسور بيتر غايتيتي، رئيس جمعية المكتبات الكينية، الفرق والتكامل بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات، وتأثيرهما التحويلي على المكتبات. كما أوضح أن إدارة المعرفة تركز على تعزيز إنشاء المعرفة الضمنية والصريحة ومشاركتها وتطبيقها داخل المؤسسات، بينما تهتم إدارة المعلومات بجمع البيانات المنظمة وتنظيمها واسترجاعها من خلال حلول تعتمد على التكنولوجيا. واستنادًا إلى اتجاهات البحث من 2014 إلى 2023، كشفت الجلسة عن الطبيعة البينية لإدارة المعرفة وإدارة المعلومات، التي تمتد عبر مجالات الأعمال والعلوم الاجتماعية وعلوم الحاسب، مع تزايد الاهتمام بموضوعات ناشئة مثل تعلم الآلة وإدارة البيانات والتعلم التنظيمي. وأكد أهمية الأدوار التكميلية لإدارة المعرفة وإدارة المعلومات في تمكين المكتبات للحفاظ على المعرفة، وتشكيل مراكز للابتكار تضمن استمراريتها وأهميتها في العصر الرقمي.
وناقش سلطان القاسمي، مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في الشارقة، كتاب «بناء الشارقة» الذي يوثق التحولات الدراماتيكية التي شهدتها الإمارة بعد اكتشاف النفط في عام 1972. وأشار الكاتب إلى أنه مع نمو مدن مثل الكويت، الرياض ودبي بسرعة، واجهت الشارقة خيارًا حاسمًا، يكمن في التعلم من الماضي واستكشاف كيفية استغلال الثروة الجديدة لبناء مدينة مستدامة وموجهة نحو المستقبل. ويقدم الكتاب صورًا ووثائق نادرة وغير منشورة من قبل، تستعرض كيف ساهمت المجتمعات المحلية والمهاجرة في تشكيل هذه المساحات كبيئات سكنية وعملية. ومن جانبه، أكد معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، أهمية ربط الباحثين والحفاظ على التراث الوطني وتوثيق تاريخ الدولة. بينما شددت إيزوبيل أبو الهول، عضو اللجنة العليا لمؤتمر دبي الدولي للمكتبات، على الحاجة الملحة إلى توثيق قصص مَن عاشوا السنوات التأسيسية لدولة الإمارات، لا سيما الجيل الذي شهد قيام الاتحاد.
وفي جلسة «حراس التراث»، بمشاركة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، والدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، والبروفيسور محسن الموسوي، الأستاذ بجامعة كولومبيا، تم تسليط الضوء على العديد من النماذج المحلية الملهمة في حفظ التراث حيًا ومتفاعلًا مع المجتمع في العديد من المؤسسات المحلية، من بينها معهد الشارقة للتراث، مركز أبوظبي للغة العربية، ومكتبة محمد بن راشد. كما طرح المتحدثون العديد من الأدوات التي تسهم بدور كبير للحفاظ على التراث للأجيال القادمة بشكل يليق بهذه الكنوز، بالإضافة كيفية إحياء الثقافة العربية بين أفراد المجتمع، وأهمية تعزيز المحتوى العربي من خلال الورش التعليمية والتدريب، والتوسع في الترجمات إلى اللغة العربية والفهرسة الرقمية.
وخلال «جلسة المكتبات كمصدر لإلهام الفنانين: مجموعة مجوهرات مستوحاة من التراث الثري لبابل والروح الحيوية لمدينة دبي»، سلطت مصممة المجوهرات أريج النزار، الضوء على العلاقة الفريدة بين القراءة والفن. وأوضحت كيف كانت القراءة هي البوابة الأولى للإلهام والتعلم، مشيرة إلى أن الكتب تحمل بين صفحاتها تراثًا ثقافيًا غنيًا يمكن ترجمته إلى تصاميم مبتكرة، بالإضافة إلى استعراض تأثير برج خليفة، كأيقونة هندسية ومعمارية مميزة، على تصميم المجوهرات، حيث تم تحويل عناصر تصميم البرج وروعته البصرية إلى قطع مجوهرات تعكس الطموح والجمال. وتناولت النقاشات كيفية استلهام النافورة الراقصة المحيطة بالبرج لتصميمات تجمع بين الحركة والأناقة في المجوهرات. كما قدمت أمثلة على استلهام تصميم المجوهرات من حضارة بابل، وكيف أثرت رموزها الفلكية والهندسية وزخارفها التاريخية على تصاميم تجمع بين جمال الرموز السماوية واللمسات المعاصرة، لتقدم قطع فنية فريدة تحمل روح الحضارة. واختتمت الجلسة بالتركيز على أن المجوهرات ليست فقط زينة، بل إنها جسر يجمع بين الثقافة والجمال، ووسيلة لتحويل الإلهام إلى إبداعات خالدة.