بقلم / د. ولاء قاسم
أصبح مشهد الزوجين اللذين يعيشان بمفردهما في شقة من أكثر التكوينات الاجتماعية انتشاراً في الحياة المعاصرة. ورغم ما يقدمه هذا الوضع من استقلالية وخصوصية، فإنه يفرض عليهما أدواراً جديدة لم يتعودا عليها. ففي ظل غياب الأسرة الممتدة ، يفتقد الزوجان إلى مساحة التفريغ الإنفعالي الضرورية، خاصةً المرأة التي تحتاج طوال الوقت إلى من يستمع إليها باهتمام.
في الماضي، كانت المرأة تجد في محادثاتها مع والدتها أو أخواتها متنفساً يساعدها على تحرير روحها من الأعباء النفسية .لكن مع انحصار الحياة الاجتماعية في الأسرة النووية، يقع على عاتق الزوج تحمل هذا العبء العاطفي بمفرده. لكن كيف يمكن أن نتوقع منه النجاح في هذا الدور الجديد، بينما كانت أدواره التاريخية تقتصر على توفير الغذاء والمأوى؟ !!إن هذه الديناميات، رغم بساطتها، تترك أثراً عميقاً على تركيبتنا النفسية والعقلية.
تتمتع المرأة بآلية فعّالة لحل مشاكلها تتمثل في الحديث ، الكلام بالنسبة للمرأة ليس مجرد رفاهية بل طريقة للحفاظ على توازنها النفسي في الحياة .
فمن خلال التعبير عن مشاعرها تستطيع أن تضع عنواناً لمشكلتها وتعيد صياغتها، مما يساعدها في تجاوزها. ومع ذلك، وفي كثير من الأحيان يتراجع وعيها الذاتي عندما تبدأ في الكلام، حيث تفيض مشاعرها كإناء ممتلئ. في هذه اللحظة، حتى لو حاولت إدراك أولوياتها، لن تنجح حتى تُفرغ ما بداخلها.
بعد هذا التفريج الانفعالي، تصبح المرأة قادرة على تنظيم أفكارها والتفكير بوضوح ، ففي الأوقات الصعبة تحتاج المرأة فقط إلى الانتباه والتعاطف، فهي تهوى البوح بمكنوناتها وترى في الكلمات جسوراً تصلها بالآخر ، وتقيِّم المرأة علاقاتها مع الآخرين
بناءً على عمق الحوار الذي يجمعها بهم .
ولذلك ليس من المستغرب أن نجد أن تسع من كل عشر حالات تعرض على الأطباء والمعالجين النفسيين هي لسيدات، مما يبرز أهمية التواصل بالنسبة لهن، فقد تدفع المرأة الأموال أحياناً مقابل أن تجد تلك الأذان الصاغية.
عندما تتعرض علاقة المرأة بشريكها لأي مشكلة أو نكبة فهي تنتظر منه أن يدرك ما عانته، أن يسمع ويتفهم ، أن يعترف الشريك بخطأ سلوكه ويقدر الألم والأذى العاطفي الذي مرت به وبتلك الطريقة فقط يمكنه أن يمحو أثر المشكلة ، وقد تمحى الذكرى المؤلمة
“نهائياً” لأن المرأة تمتلك ذاكرة عاطفية فهي لا تتذكر كل ما مضى كأحداث فقط وإنما كتجارب انفعالية وعاطفية .
أما في حال توقفت زوجتك عن الافصاح لك بمشاكلها وشكواها فلا تفرح ولا تعتقد ان ذلك دلالة على الوعي النضوج العاطفي، بل عليك سيدى أن تقلق!!!
لأنها فقدت ثقتها بك ولم تعد ترى في شخص ملجأً وملاذاً تحتمي به فعليك أن تبدأ رحلتك في ردم الفجوة واصلاح ما أفسدته ،”كل زوج حتى لو لم يكن منبعا لمشاكل زوجته فمن واجبه أن يكون البحر الذي تغرق همومها فيه”.
فيما يختص بالرجال فيمارسون نقيض ذلك السلوك تماماً ، عندما يتعرض لمشكلة يفضل العزلة ويلتزم الصمت الذي يُنشِط التفكير المنطقي لديه فعندما يتعرض الرجل للضغط يعود أدراجه إلى الكهف ،
ينغلق على نفسه ويضع الحواجز حوله ولو كان الأمر بيده لرفع لوحة يطالب فيها المحيطين ” بعدم الازعاج ” ، ويرجع ذلك إلى أن دماغ الرجل لايستطيع التركيز على اكثر من وظيفة في ذات الوقت لذلك يسعى لتفريغ محيطه ميدانياً ويتخلى عن كل ما يشتته ليستطيع التركيز وتوجيه أفكاره إلى الحلول حتى يتخلص من الضغط الواقع عليه فذلك هدفه المنشود ، في حالة العزلة تلك يقاوم الرجل الحلول المطروحة بسخاء من شريكته لأنه يرفض أن يعترف بمعاناته او يُعري ضعفه امام اشخاص يفترض أن يعولهم ويقوم برعايتهم.
لذلك لا تقلقي اذا شعرت بأنه يصد محاولات التقرب التي تقومين بها بدافع التعاطف والحب فهو لايرغب بتبادل المشاعر لأنه يعتقد أن أي انفعال يمكن أن يعكر صفو تفكيره فلا تسمحي لعزلته أن تصيبك بالوساوس وتتركك مشوشة ومرتبكة فمهما طالت فترة انقطاعه عن العالم ليحل مشكلته فلا بد أن تعود الأمور الى نصابها.
كل ماعليك سيدتي هو أن تتحلي بالصبر ولا تمارسي ضغوطاً عليه لأن ذلك يضيف حواسه الخمسه الى لائحة المقاطعة فهو فاقد للرغبة بالكلام ويبدو أنه لايسمع ما يقال وكأنه يفصل التيار عن كل الوظائف الحياتية .. ” تعبير مجازي فاطمئني ” …