مرئيات

قرية تل زلط نقطة اللقاء بين الجزيرة والحياة المدنية

بقلم : إبراهيم المحجوب – كاتب عراقي

لقد فرضت الجغرافية بكل جوانبها الطبيعية ثوابت ومنحدرات في الأرض استفاد الإنسان من عواملها وتأثيراتها المناخية وتأقلم للعيش معها حتى اصبحت الظروف التي يعيشها وسلوكياته الخاصة تخضع لتلك العوامل لأن صفات الإنسان تخضع وتتأثر بما تحيط به الأجواء المناخية… نعم أن الطبيعة بأجوائها المعروفة هي الأم الأخرى لبني البشر فمن يستطيع العيش بظروف الأجواء العامة الصعبة ويتميز على غيره أحياناً تجده يشعر أن العيش بوسط هذه الظروف المناخية طبيعي جداً…

من خلال زيارة قمنا بها أنا والأخ والصديق عيسى الخطابي أبومزهر الى قرية تل زلط احدى القرى في منطقة غرب الموصل لأداء أحد الواجبات الاجتماعية وأثناء مرورنا بالطريق المعبد الذي يصلنا اليها وجدنا وشاهدنا في طريقنا أراضي خصبة صالحة للزراعة التقليدية وربما بحاجة للاهتمام من قبل دوائر الدولة التي تعنيها الأمور الزراعية…

أراضي تغطيها الاشواك الخضراء وبكثافة واضحة وهذا دليل على وجود مياه قريبة من سطح الأرض وربما لو قدمت الدولة بعض إمكانيات الزراعة الحديثة لوجدنا مساحات واسعة من الأراضي الخضراء والبساتين المثمرة والتي سوف تسهم عائداتها المادية في تقوية الاقتصاد في الدولة إضافة الى الفائدة التي تعود لأهالي تلك المناطق…

قرى عديدة تمر من قربها وأنت تسير على الشارع الرئيسي بداية من عبور مرتفعات وتلال منطقة النويگيط مروراً قبلها بمنطقة صناعية لإنتاج الجص المحلي وبطريقته البدائية عن طريق الأكوار وبالطرق المحلية المتوفرة…

فتجد على يمينك أول قرية وتسمى قرية تل گيصوم ويسكنها قبيلة طي وقبيلة العگيدات ثم على يسارك توجد منازل متفرقة تعود لأحد شيوخ قبيلة طي هناك وهو الشيخ حسان علي العرجة.. وتتوجه بعدها بنا السيارة الى قرية السحاجي ويسكنها خليط من أبناء العشائر العربية وعند حدودها الإدارية وعلى جهة اليمين تشاهد قرية الدرناچ التي تعتبر العاصمة الرسمية لعشيرة البو حمد المتمثلة بالبيت العريق بيت ساير الجوعان الذي ذكرته كل الوثائق الرسمية التاريخية كونه صاحب أول مضيف هناك إضافة الى شجاعته وحكمته المعروفة ويسمونه مضيف الحظ والبخت ويسكن معهم في هذه القرية بيوتات من قبيلة الجبور وقبيلة الخفاجة…
بعدها تتجه السيارة الى قرية المصايد وهي إحدى قرى عشيرة الراشد وتتميز بأراضيها الزراعية…

وعلى مسافة عدة كيلومترات نصل الى واجهتنا المقصودة قرية تل زلط وهي قرية زراعية تقع عند مفترق الطريق الرابط بين ناحيتي المحلبية وتل عبطة مع مدينة الموصل تسكنها عشيرة واحدة وأبناء عمومة يرتبطون بالجد الثامن ، وهم من قبيلة الجبور عشيرة البوخطاب تأسست القرية في عام 1916 ويوجد تل أثري يقع في أطرافها وتتميز القرية بمزيج بين الماضي والحاضر حيث ذكر لي الحاج خضير العيسى المصطفى عميد عائلة المصطفى أبوعبد
وهو أحد وجهاء العشيرة ويعتبر مصدر معلومات مهم لتاريخ قريته وأثناء الجلوس والتحدث معه وجدت في شخصيته ذلك الختيار المبارك والصادق والصريح في كل شيء والذي تكلم لي عن سكنهم في هذه القرية ومتى استقرت بهم الأيام فيها بعد أن كانوا يملكون قرية زراعية كبيرة تابعة لناحية تل عبطة ولكن ظروف العيش في بداية القرن العشرين كانت هي من تحدد السكن للناس…

هذه القرية يحدها شمالاً قرية الموالي وهي العاصمة الاجتماعية لعشيرة البوخطاب.. تتميز قرية تل زلط بموقعها الجغرافي وتوسطها أغلب القرى في منطقة غرب الموصل وكذلك لها بصمة علمية واضحة من خلال الكفاءات العلمية والقيادات العسكرية لأبناءها فالقائد العسكري الشهيد محمود حمادي أحد أبناءها وسيرته العسكرية ونزاهته وشجاعته المعروفة سجلتها صفحات تاريخ الحيش العراقي الباسل…

وكذلك الكفاءة العلمية المميزة والذي ينتمي الى أبرز عوائلها الدكتور الطبيب سعد علي محمود الخطابي مدير مستشفى ابن سينا حالياً وله بصمة مميزة في اختصاصه كطبيب لمعالجة آلام المفاصل والفقرات.. ويوجد الكثير من أبناء القرية من الضباط والموظفين والخريجين الذين مازالوا ينتظرون دورهم الوظيفي..

إن الحديث مع الحاج خضير العيسى له طعم خاص وهو يحدثني عن أيام الحصاد بالمكينة البدائيّة التي تجرها الحيوانات ثم دخول ماكنة حصاد عن طريق الساحبة الزراعية وصولاً الى حاصدات اليوم وكذلك حديثه عن ذهابهم الى قرية الموالي أو ناحية تل عبطة لماكنة الطحين لطحن حبوب الحنطة هناك من أجل توفير مادة الخبز والتي كانت الوجبة الرئيسية لأغلب العوائل الفلاحية…

تحدث عن هجرة أجداده ومجيئهم الى هنا وكذلك عن بيت الطين القديم وتعاون أهل القرية فيما بينهم في بناء منزل لأي شخص يغادر بيت العائلة الكبير…

وأخيراً تطرقنا الى الحياة العصرية الحديثة وما وصلت فيه القرية الى بناء مولات ومحلات تجارية وكذلك الخدمات الحديثة الموجودة حاليا..
شكراً لكل أهلنا وأصدقائنا في منطقة غرب الموصل.. شكراً لأهالي قرية تل زلط وأنت تودعها وفي أطرافها جامع الشهيد الحاج علي محمود مصطفى الخطابي..
شكراً لهم لحسن استقبالهم المميز ولكل الذي حضروا معنا وشكري الخاص للحاج خضير العيسى المصطفى على كرمه والمعلومات التاريخية التي يمتلكها في ذاكرته من أحداث زمنية كثيرة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى