أزمة السعادة
بقلم / د ٠ ولاء قاسم
في عالم تسوده التحديات والصراعات من أجل البقاء، قد يبدو البحث عن السعادة رفاهيةً و ترفًا . كيف يمكن أن يكون السعي وراء الفرح هدفًا منطقيًا بينما تُظهر الدراسات أن الحزن مكون جوهري في الوجود البشري؟ !
تتجلى السعادة كانجذاب لحظي خاطف (وميض من الفرح ) ، خبرة انفعالية شديدة وحالة ايجابية من المتعة يجلبها الإدارك المفاجيء للهدف ، أو إشباع رغبة أو تسديد حاجه ، وشدتها تلك تنبأ بأنها عرضية وغير مستدامة ، ومحاولة استدامتها تفضي إلى مشاعر خرقاء متناقضة وأحياناً مؤلمة كما يحدث عادة في حالات الهوس.
ويبدو وصف السعادة هنا ذو طابع شبقي يشبه “النشوة ” يتم فيه تنفيس الضغط المتراكم وتحريره فجأة ونتيجة التحرير توجد اللذة ، ورغم أن ملاحقة ذلك النوع من السعادة قد يحرك دافعية البشر ، لكن التحليل النفسي له نظرة تشاؤمية تفيد باستحالة استمرار السعادة وتواصلها والممكن فقط هو إيجاد لحظات من اللذة تحدث بين الفينة و الأخرى.
وفي خضم التأكيدات المعاصرة على أهمية صناعة السعادة وابتكار العديد من الوسائل لتعزيزها تبقى الرؤية المأساوية التي قدمها عراب علم النفس “فرويد ” دليلاً تشاؤمياً لكنه مثير للاهتمام ، فقائمته التي سردها لمصادر التعاسة والتي تتمثل في “الجسد والطبيعة والعلاقات الاجتماعية ” تعكس التزاماً عميقاً بالواقعية في فهم النفس البشرية ٠
أجسادنا تواجه الفناء وتشيخ وتهرم فتشكل مشاعر الألم والقلق علامات تحذيرية لأمراض في بداياتها وفي هذا السياق تبدو التعاسة الكامنة في الجسد ضرورية لسلامتنا.
أما المصدر الثاني ” الطبيعة ” فرغم غطرسة الإنسان الذي يظن أنه سيطر عليها بتكنولوجياته المتقدمة إلا أنها لا تلبث أن تثبت قوتها وسلطتها وتظهر وجهها المدمر أحياناً .
أما ” العلاقات الاجتماعية ” فيبدو أنها إضافة إجبارية فحتى لو تصالحنا مع فكرة الشخيوخة بل الموت أيضاً ووصلنا لتفاهم مع الطبيعة للحد من تأثيراتها يبقى الألم البين شخصي أمر لا مفر منه لأن الصراع بين حاجات الفرد وحاجات المجتمع يظل متجذراً ،حيث أن أي مجتمع لا يبنى على كبت جزئي لرغبات الفرد الجنسية والعدوانية سيكون معرضا للإنهيار.
من حسن حظنا أن صناعة السعادة أصبحت تحظى باهتمام واسع في الدراسات النفسية والسياسية، خصوصًا بعد ربطها بجودة الحياة. إذ أصبح علم النفس الإنساني يركز على مساعدة البشر في تحقيق ذواتهم، سواء عبر تلبية رغباتهم واحتياجاتهم المتنوعة أو من خلال البحث عن المعنى الذي يجعل الحياة جديرة بالعيش.
بعد عقود من التركيز على معالجة الأمراض النفسية، انتقل “علم النفس الإيجابي” ليضع الصحة العقلية في صميم اهتماماته. فقد أدركت الحكومات والمجتمعات أهمية الصحة النفسية والسعادة المجتمعية في تعزيز معدلات النمو والنهوض الاقتصادي، مما يعكس تحولاً ملحوظاً في فهمنا لقيمة السعادة في حياة الأفراد والمجتمعات.
السعادة تحمل الكثير من المعاني ولكن من وجهة نظري الشخصية أن السعادة التي تحمل معنى الرضا هي أكثر أشكال السعادة استدامة ، فالرضا فضيلة تعكس نضوج الروح وهو مفتاح السلام الداخلي ، الرضا لا يمثل قبولاً للواقع فقط بل احتضان له ، أن تستشعر النعمة والجمال في كل لحظة ومع كل نَفَس وتتقبل الحياة بتحدياتها كمنحة للنمو وأن تسعى جاهداً لايجاد الموارد اللازمة لتزكية نفسك وتعمير الأرض وأن توفر لنفسك بيئة داعمة ومجتمعاً متلاحماً تشعر فيه بأن مقبول ومشمول ومُحتوى ولا تشعر بالاغتراب عن من حولك .
مع الحرص أن تكون حالة الرضا تلك تسامياً على الواقع وليس انسحاباً من مجابهته وهروباً مما يتعين عليك الإنسان إنجازه ، فكثيرون يدعون الرضا في الحياة لكن ذلك ليس سوى حلية نفسية وفعل دينامي يواجهون به حالة “انشقاق نفسي” سببها أن الوعي بالعجز واليأس الداخلي أمر مؤلم يصعب الاعتراف به ، واخيراً سأدعوكم لتذوق لذة الاتصال التي لا تضاهيها لذة ولا تنافسها سعادة اتصل بخالقك فما من شيء اتصل به حتى أخضر وأنور ثم أزهر وأثمر فهناك تتجلى أسمى معاني الوجد والوجود .