هل يمكن تطويع ظاهرة “التريند” لخدمة قضايا حماية البيئة؟
سان فرانسيسكو – (د ب أ):
هل سبق لك وأن تصفحت موقع يوتيوب أو تيك توك لمقاطع الفيديو على الانترنت بحثا عن فيديوهات القطط؟ لو كنت قد فعلت، فلابد أن تعرف أنك لست وحدك، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود إقبال كبير على مشاهدة فيديوهات القطط حول العالم، علماً بأنه يوجد أكثر من مليوني مقطع فيديو للقطط على يوتيوب، وأن متوسط معدل مشاهدات كل مقطع يربو على 12 ألف مشاهدة، وهو معدل يزيد عن درجات مشاهدة أي محتوى آخر على الموقع.
وبحسب موقع Conversation المتخصص في الأبحاث العلمية على الانترنت، فإن كلمة “قطط” تعتبر من أوسع كلمات البحث انتشارا على الشبكة الدولية، وفي عام 2023 فقط، بلغ عدد مشاهدات فيديوهات القطط على موقع تيك توك 502 مليار مشاهدة، وهو ما يدل على أن القطط المنزلية على سبيل المثال تعتبر من الحيوانات المدللة في العالم الرقمي.
ومن هذا المنطلق يتساءل باحثون ومعنيون بقضايا حماية البيئة بشأن ما إذا كان من الممكن تطويع هذه الشعبية الطاغية التي تتمتع بها القطط لخدمة قضايا حماية القطط البرية مثلا، أو فصائل حيوانية أخرى مهددة بالانقراض بسبب أعمال الصيد، أو تآكل مساحات مواطنها الطبيعية أو جراء الصراع مع البشر، لاسيما بعد أن أدرك المتخصصون الإمكانات الفائقة التي تتمتع بها شبكة الانترنت وفرص الاستفادة منها في شتى المجالات.
وتمكن خبراء في مجال البيئة عن طريق متابعة مدى اهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بالبحث عن محتوى معين، وهو ما يطلق عليه اسم “التريند” في دراسة بعض الظواهر البيئية مثل انتشار نباتات معينة أو التغيرات التي تطرأ على أشكال وألوان بعض الحيوانات، وكذلك مدى انتشار أنواع حيوانية في مناطق بعينها وغير ذلك من البيانات، كما استخدموا موقع “إنستجرام” لخدمة الصور في قياس مدى اهتمام الرأي العام بفصائل نباتية وحيوانية معينة في البيئة.
وترى الباحثتان المتخصصتان في علوم البيئة جابريلا ليتون من جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا، ولوريل سيريز من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة أن إشراك الرأي العام في قضايا البيئة يعزز الصلة بين العلم والمجتمع، غير أنه لا توجد وسائل كثيرة حتى الآن لقياس مدى إسهام مثل هذه النوعية من المشروعات في زيادة الوعي البيئي بين عامة الناس. وشرعت الباحثتان من خلال ورقة بحثية أجريت في كيب تاون في البحث عن كيفية سد هذه الفجوة في المعلومات، وتم اختيار نموذج يتمثل في حيوان الوشق، وهو نوع من القطط البرية أكبر في الحجم عن القطط المنزلية ويعيش في تخوم المدن والبلدات وفي المناطق الريفية ويتغذى على الماشية والحيوانات الصغيرة.
وفي ضواحي كيب تاون، اعتادت حيوانات الوشق على الحياة على أطراف المناطق الحضرية، وأصبحت تتغذى على القوارض الصغيرة والطيور التي تنتشر في هذه المناطق، وتشير الإحصائيات إلى وجود ستين حيوانا من الوشق في شبه جزيرة الكيب بشكل عام. وتواجه هذه الحيوانات تهديدات مختلفة، مثل غيرها من أنواع القطط البرية، مثل تآكل مساحات مواطنها الأصلية وتعرضها للصيد أو الدهس بالسيارات والنفوق بسبب تناول سم الفئران مثلا.
وبدأت الباحثة لوريل سيريز الدراسة البحثية التي اطلق عليها اسم “مشروع الوشق في المناطق المدنية” تحت رعاية معهد المجتمعات والحياة البرية بجامعة كيب تاون. ويتعلق هذا المشروع بفهم طبيعة البيئة الحضرية التي تعيش فيها الحيوانات فضلا عن أوضاعها الصحية والجينية والتهديدات التي تتعرض لها. وبدأ المشروع في صورة موقع على الانترنت وصفحة على فيسبوك يتم تحديثها بشكل مبسط، ولكن الفكرة حازت متابعة واسعة على الوسائط الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، وانخرط المتابعون في مساعدة الدراسة عن طريق جمع البيانات والعينات بل وجمع التبرعات وتبادل المعلومات لخدمة هذا المبحث العلمي.
وتقول الباحثتان في مقال لموقع Conversation إن المشروع يضم الآن أكثر من 16900 متابع على فيسبوك وأكثر من 7500 متابع على إنستجرام من دول مثل جنوب أفريقيا وبريطانيا والهند والولايات المتحدة. وتؤكد الباحثتان سيريز وليتون أن هذه المنصة أعطت العامة فرصة لتقديم إسهامات مهمة لخدمة أهداف المشروع، وساعدت من خلال المشاهدات في تحديد أماكن تواجد هذه القطط البرية في مختلف أنحاء كيب تاون. وسجل البعض مقاطع لحيوانات وشق نافقة وصور آخرون الفرائس التي تلتهمها هذه الحيوانات، وهو ما ساعد في التعرف على طبيعة الغذاء الذي تعتمد عليه هذه الحيوانات للبقاء في البيئة الحضرية.
وفي إطار الدراسة ذاتها، قام المتخصصون بتحليل اللغة التي يستخدمها المتابعون لوصف تقارير المشاهدة، وذلك بغرض تحديد شعور العامة حيال هذه الحيوانات البرية في كيب تاون، ومعرفة ما إذا كانت تحظى بالقبول بشكل عام أم أنها محل رفض، وأظهرت الدراسة وجود نظرة إيجابية لحيوانات الوشق بشكل عام، لاسيما وأنها تتعرض للملاحقة والصيد في مناطق أخرى من البلاد باعتبارها من الحيوانات الدخيلة أو الضارة. ووجد الباحثون أن المتابعين يستخدمون كلمات مثل “جميلة” و”رائعة” لوصف الوشق، وكذلك ألفاظ مثل “الحزن” و”الأسف” لوصف الحوادث التي تتعرض لها هذا الحيوانات مثل الموت جراء الدهس بالسيارات أو الصيد أو التسمم.
وترى الباحثتان من خلال الدراسة أن العمل الجاد من أجل الربط بين البحث العلمي والتواصل مع العامة في المشروعات العلمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة اتجاهات البحث “التريندات” في العالم الرقمي لابد وأن تؤتي ثمارها في نهاية المطاف، ويمكن أن تساعد في زيادة الوعي بالمخاطر التي تتهدد فصائل وأنواع حيوانية أو نباتية لا تحظى بشهرة كبيرة في عالم سريع التغير.