أدوار قهرية
بقلم / د. ولاء قاسم
الأسرة منظومة مكونه من وحدات وأجزاء تتفاعل بالتبادل في بينها ، كل جزء يؤثر بغيره ويتأثر به ، لذلك لا يمكن فهم أي عنصر إلا ضمن السياق التفاعلي التبادلي الذي ينشط فيه ضمن منظومة الأسرة .
وعندما تكون الأسرة ركيكة التكوين وصراعية البنية تكون التفاعلات بين الأفراد في شكل أنماط متكررة ، لذلك يتطبع كل منهم بطباع محددة تخدم الدور الذي يمثله ضمن سياق الأسرة ، ومع مرور الوقت يبدو وكأن الأسرة تُوزِع نصوص على أفرادها تضمن أن يلعب كل فرد منهم دوره بصورة قهرية وجامدة وذلك الدور يتضمن طريقة تفكير وتصرف وسلوك تجاه العلاقات ، تدريجياً يطغى الدور على شخصية الفرد فيصبح أسيراً لدوره ملتزما به ويفقد المرونة التي تمكنه من تكيِّف دوره بحسب معطيات المواقف التي يواجهها .
من أبرز تلك الادوار دور “البطل ” الذي يجسد فخر الأسرة و قد يكون ذلك الابن الذي يعمل وينفق ويتحمل مسؤولية الأسرة أو الفتاة المتفوقة أكاديمياً التي ترفع رأس والديها أو الابن البار المتدين الذي يلازم والديه ، لكن هذا الدور رغم بريقه لايخلو من المتاعب حيث أن صاحبه يدمن على العمل والإنجاز والتقديم للآخرين ولا يُقبل منه الفشل أو التقصير لذلك يعيش حياته مرتعباً من الفشل الذي لا يعُد حدثاً عابراً بالنسبة اليه بل يمثل نهاية رواية أسطورية تبنته الأسرة عنه .
من الأدوار الشائعة أيضاَ ” كبش الفداء ” شخص ضعيف الشخصية ، هش النفسية ، يُلام على مشاكل الأسرة ولما كان البطل يقتات على الاهتمام الإيجابي فإن كبش الفداء يعيش هلى الاهتمام السلبي فيُواجه بالضرب والتعنيف من والديه لكن يعتبر ذلك أفضل من التجاهل !! ويمكن أن يقوده ذلك مستقبلاً إلى الماسوكية
” التلذذ بالألم والإهانة “.
كمثال ، نجد الابن المدمن الذي يسبب المشاكل للأسرة لكنه برغم ذلك يغطي على خيانة الوالد ويشغل أمه عن آلام خيانه زوجها ويوفر العذر لوالده الذي يتحجج بأنه يخون بسبب المعاناة التي يواجها في بيته !!
الغريب أن كبش الفداء يظل عالقاً في دوامة الفشل ،ولا يخطو باتجاه النجاح ، لأنه يشعر بالوحشة والاغتراب عن ذاته إذا نجح لأن ذلك يمثل خروجاً عن النص المكتوب له !
من بين الأدوار المختلفة في الأسرة، يبرز دور “المنقذ”، الابن الذي يتمتع بمواهب خاصة في إدارة الصراعات وتهدئة العواطف. يبدو كأنه والد لوالديه، حيث يشعر بأنه مسؤول عن كل مشكلات الأسرة، بل عن مشاكل العالم بأسره. لكنه إذا عجز عن حل الصراع الأسري ، تجتاحه مشاعر العار والذنب.
يحمل المنقذ على عاتقه مسؤولية الحفاظ على صورة الأسرة أمام المجتمع، ويجد قيمته في إنقاذ الآخرين. لا يستطيع أن يرى أزمة أو مشكلة دون أن يتدخل، حتى لو لم يُطلب منه ذلك. يبحث عن السلام في علاقاته، حتى لو اضطر للتنازل عن حقوقه. فبروز أي صراع يُذكّره برعب الانفصال الذي عاشه في طفولته وانفراط عقد الأسرة التي يعتبر نفسه مسؤولاً عنها ، رغم أن ذلك الخطر لم يعد قائماً.
ولعل أكثر الأدوار انهزامية دور “الشهيد المنسي” الذي يضحي باحتياجاته الشخصية ليخفف من أعباء الأسرة في صغره ، عندما يكبر يقدم ذلك الابن تضحيات كبيرة لأسرته كأن يخرج للعمل في عمر مبكر ليساعد الأسرة وتلك الفتاة التي تتحمل عبء الأعمال المنزلية نيابة عن أمها ، ورغم كل تضحياتهم يتجنب هؤلاء الأفراد الإطراء والتقدير ، متأثرين بنموهم النفسي المتأخر مما يجعلهم عرضة للاستغلال والاستنزاف ، مثال ذلك الأم التي تسحق نفسها لأجل رفاه الأبناء ولا تلتفت إلى ذاتها حتى تبلغ خريف العمر.
آخر دور هو دور “الناقد ” الذي يقاوم آلام الأسرة المضطربة ومعاناتها بأن يفصل نفسه عنها وينظر إليها من فوق ويدينها ويحكم عليها ، لكن تلك الممارسة تتحول الى طريقة للهروب عيوبه حتى الشخصية منها ، وبمجرد بروز الصراع في أي علاقة لا يسلط الضوء على الداخل يحول تركيزه على ما يدور في الخارج فينفصل عن هويته منكراً أفعاله وزلاته بالإنتقاد والهجوم .