مرئيات

انكشاف الظل

بقلم / د. ولاء قاسم

في مسارات الحياة المتشعبة ، نلتقي بمجموعة متنوعة من الأشخاص، ونتعرف على أنواع شتى من البشر. لكن، هل سبق لك أن واجهت أشخاصًا يحملون سمات بارزة تميزهم ؟، سمات تنم عن قوتهم وفرادتهم، كالثقة الزائدة بالنفس، أو الطيبة والدماثة، أو الاستقامة الأخلاقية التي قد تبدو مبالغًا فيها، أو حتى تلك الهالة من التقى والورع، أو التعبيرات المبالغ فيها عن الرجولة المتمثلة في الصرامة والخشونة.

إن تأمل هذه الصفات عن كثب قد يكشف لك عن بعض المبالغة فيها، وكأن هؤلاء الأشخاص يصطنعونها أو يتمادون في إظهارها ويستميتون في تجسيدها.

نحن هنا بصدد الحديث عن طبيعة متأصلة في نفوس البشر: إن السمات اللافتة والمبالغ فيها تستقر عادة على قمة سنام الصفات المضادة لها، كوسيلة لصرف الأنظار عنها وإخفائها مرأى ومسمع الناس!

مع مرور الزمن، يعمل الأفراد على تنميق صفاتهم الشخصية، ويعكفون على صقلها والترويج لأنفسهم من خلالها. لكن، تظل الصفات المضادة كامنة فيهم و متوارية في ركن قصي من أنفسهم حيث ينكرون وجودها ويكبتونها.
وقد اتفق المتخصصون في دراسة السلوك البشري على أنه” كلما زاد الكبت، زادت قوة تفجر هذه الصفات الخفية القابعة قي الظل” .

فمع تعرض هؤلاء الأشخاص للمحن والضغوط و مع تقدم العمر، يبدأ ذلك القناع الخارجي الذي يرتدونه في التصدع. فقد أرهقهم الالتزام به واستنزف قواهم، مما يؤدي إلى تمرد نفوسهم الحقيقية، فتظهر منها مزاجات وهواجس مستترة، وسلوكيات تتعارض تمامًا مع مظهرهم وصورتهم الخارجية، وغالبًا ما تكون هذه السلوكيات مدمرة للذات.

لحماية نفسك، ينبغي عليك أن تكون حذرًا في علاقاتك مع الأشخاص الذين يتسمون بسمات بارزة ومبالغ فيها. لا تدع المظاهر والانطباعات الأولى تأخذك بعيدًا، فقد تفاجأ بانبثاق الصفات المضادة في لحظة غير متوقعة.

من أكثر الأنماط شيوعًا في مجتمعاتنا هو الشخص القاسي الذي يبرز صفات الرجولة الخشنة، شخص تغلب على طباعه الحِدة ويبالغ في التفاخر بقوته وبطولاته. هؤلاء الأفراد قد تعلموا إخفاء طراوة مشاعرهم وهشاشتهم العاطفية وحساسيتهم الشديدة التي تزعجهم ، إذ تشكل هذه المشاعر مصدر رعب لهم. وعندما يواجهون موقفًا يستدعي الحنان أو الرأفة، تجدهم يشعرون بالحرج ويسيئون التعبير، فيلجأون إلى العنف في الأقوال والأفعال كوسيلة للاختباء وراء قناع القسوة.

في صورة أخرى، قد تلتقي بشخص يبدو نموذجًا للصلاح والورع، يدور في حلقات المتدينين، و يُظهر الترفع عن الفساد والشبهات. يبرز دائمًا شفقته على الضحايا، يطور ذلك الشخص هذا المظهر ويجتهد في تصديره إلى الآخرين لكنه مجرد تمويه لتوقٍ خفي للسلطة وللفت الانتباه.
وذلك بطبيعة الحال لا يتنافي مع وجود أهل التقوى والورع الحقيقي، لكن هؤلاء لا يحتاجون إلى استعراض أفعالهم، ولا يسعون خلف المال أو السلطة. لذا، من الحكمة عن التعامل مع ذلك النوع من البشر أن نتجاهل الكلمات والهالة التي يحيط بها نفسه، ونوجه اهتمامنا إلى أفعاله وتصرفاته، لندرك مدى انغماسه في ذاته، حتى لا نتحول تُبع سُذج يستغلنا لمآربه .

قد تتعلق بشخص آسر و جذاب، متفائل ومبهج ، يتفاني في مساعدتك في كل وقت، مما يعمق علاقتك به. لكن مع مرور الزمن، قد تلاحظ تصدعات في هذا المظهر المثالي؛ فقد يبدأ في إبداء انتقادات لاذعة بلا سبب، أو يتحدث عنك بسوء في غيابك، قد يخونك أو يقوم بأفعال تخريبية تؤثر على حياتك . هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يحملون نزعات عدوانية و طباع حاسدة يصعب عليهم التحكم فيها. فهم يبنون بمرور الوقت قناعًا يتناقض مع ذواتهم الحقيقية ليتمكنوا من امتلاك قوة اجتماعية لكنهم في أعماقهم يمتعضون من هذا الدور. وعندما ينهكهم التوتر و ينتابهم الإجهاد قد ينفجرون في وجهك ، فطيبتهم تلك شديدة العدوانية .

لذا، كن واعيًا للجانب المظلم في من حولك قبل أن يتسلل إلى تصرفات قد تحيرك وتؤذيك. تَعلم كيف تميز سمات الظل لتفادي الغرق في سميتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى