●التقرير يشير إلى إمكانية تسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي من 3.5% إلى 6.0% خلال السنوات العشر المقبلة
●ديمة السايس: المقاييس غير التقليدية للإنتاجية تُشكل عاملاً محورياً في إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي
● المؤشر في نسخته الجديدة يقدم إطاراً مبتكراً لإعادة تعريف آليات قياس الإنتاجية
دبي – الوحدة:
أعلنت القمة العالمية للحكومات عن إطلاق الإصدار الثاني من مؤشر الإمكانات الإنتاجية (PPI)، الذي جرى تطويره بالتعاون مع “ستراتيجي& الشرق الأوسط”، التابعة لشبكة “بي دبليو سي” (PwC).
ويعتمد الإصدار الجديد على النسخة السابقة التي أُطلقت العام الماضي، مع توسيع نطاق التحليل ليشمل 60 دولة بدلاً من 25، مقدماً رؤية أشمل حول العوامل المؤثرة في الإنتاجية في عالم اليوم، ومسلطاً الضوء على محركات النمو والتنافسية في المشهد الاقتصادي المتغير.
تحولات عالمية
ويقدم مؤشر الإمكانات الإنتاجية في نسخته الجديدة إطاراً مبتكراً لإعادة تعريف آليات قياس الإنتاجية، حيث يدمج أبعاداً أساسية تتماشى مع التحولات العالمية المعاصرة، مثل الاستدامة البيئية، والرفاهية، والابتكار، والجودة المؤسسية.
كما يكشف التقرير عن الإمكانات غير المستغلة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، موضحاً أن تحسين أضعف العوامل المؤثرة في الإنتاجية يمكن أن يرفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة من 3.5% إلى 6.0%، مما يضيف 2.8 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة على مدى العقد المقبل.
وعلى نطاق عالمي، خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أنه إذا ما تمكنت جميع الدول المشمولة في المؤشر من تحسين أضعف محددات الإنتاجية لديها لتضاهي أفضل الاقتصادات أداءً، فقد يسهم ذلك في رفد الاقتصاد العالمي بنحو 87 تريليون دولار أمريكي.
وعلى الصعيد الإقليمي، سجلت المملكة العربية السعودية أعلى معدل بين دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر الإنتاجية المُمَكنّة، بإنتاجية بلغت 69.3 دولار أمريكي لكل ساعة عمل، تليها الكويت بـ 60.8، ثم قطر بـ 57.2، والبحرين بـ 56.9، بينما سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة معدل 48.7 دولار أمريكي لكل ساعة عمل.
واللافت أن البحرين وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جاءت ضمن أعلى 10 دول عالمياً في فئة “رأس المال المادي”، مضيفة 22-24 دولاراً أمريكياً لكل ساعة عمل إلى إمكاناتها الإنتاجية.
ويشير رأس المال المادي إلى متانة البنية التحتية، وجودة الحالة التشغيلية للمعدات، وكفاءة تطبيق التقنيات الحديثة، والتي تسهم مجتمعة في تحفيز الإنتاجية ودفع عجلة النمو الاقتصادي. ويؤكد هذا النجاح كيف يمكن للسياسات المستهدفة والاستثمارات في التصنيع، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية الرقمية أن تحقق نمواً متسارعاً عبر مختلف القطاعات الاقتصادية.
تحوّل جذري في مفهوم الإنتاجية
ولطالما كانت الإنتاجية المحرك الأساسي في تعزيز القدرة التنافسية العالمية، وتحسين جودة الحياة، ودعم الرخاء الاقتصادي طويل الأمد. ومع ذلك، فإن المقاييس التقليدية لقياس الإنتاجية غالباً ما تعاني من قصورٍ في استيعاب تعقيدات القرن الحادي والعشرين، مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتحولات الاجتماعية، والشيخوخة السكانية. كما تعتمد هذه الأدوات التقليدية على تحليل الأداء السابق بدلاً من تحديد الفرص المستقبلية، مما يُحدّ من فعاليتها في رسم ملامح اقتصاد أكثر استدامة وديناميكية.
وفي المقابل، يأتي مؤشر الإمكانات الإنتاجية ليُعيد تعريف كيفية قياس الإنتاجية بطرق أكثر شمولاً ودقة، فهو لا يقتصر على المقاييس التقليدية مثل رأس المال البشري، ورأس المال المادي، والابتكار، بل يوسّع نطاقه ليشمل رأس المال المجتمعي، ورأس مال الموارد الطبيعية، والجودة المؤسسية، مما يُزود قادة وصنّاع السياسات بمنظور جديد للتعامل مع تحديات العصر الحديث.
حلول فعالة
وأكدت ديمة السايس، الشريكة في “ستراتيجي & الشرق الأوسط” ومديرة مركز الفكر، على الأثر التحولي للنتائج التي توصلت إليها الدراسة، مشيرةً إلى أن المقاييس غير التقليدية للإنتاجية تُشكل عاملاً محورياً في إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي.
وأضافت: “يُظهر تحليلنا أن الثقة الاجتماعية، والجودة المؤسسية، والمؤشرات البيئية ليست مجرد عوامل داعمة، بل تُسهم بفعالية في دفع عجلة النمو الاقتصادي أو إعاقته. ومن ثم فإن فهم هذه الآليات يمكّن صنّاع القرار من تطوير حلول فعالة وموجّهة نحو إحداث تغيير ملموس”.
● شادي مجاعص: مؤشر الإمكانات الإنتاجية يوفر لصنّاع القرار رؤى معمّقة وأداة عملية تساعدهم في تحديد الأولويات الاستراتيجية
مؤشر مستقبلي لعالم متغير
ويتميز مؤشر الإمكانات الإنتاجية بكونه أداة متطورة تعتمد على ثلاث مزايا رئيسية، تعزز قدرة الدول على فهم إمكاناتها وتحقيق قفزات نوعية في الإنتاجية، وهي تحديد نقاط القوة والضعف، بما يُمكن الدول من التعرف بسهولة على المجالات التي تتفوق فيها وتلك التي تتطلب تحسينات استراتيجية، والتركيز على المحركات الرئيسية للنمو، من خلال تسليط الضوء على العوامل الأكثر تأثيراً في تحسين الإنتاجية والنمو، استناداً إلى مقارنات مع أكثر الدول كفاءةً في الأداء، إضافة إلى مسارات قابلة للتنفيذ، إذ يوفر المؤشر لصناع القرار خارطة طريق استرشادية لسد الفجوات، وتحقيق قفزات نوعية، بما يضعهم على مسار الاقتصادات الأكثر إنتاجية عالمياً.
ويعتمد المؤشر على نموذج متطور مدعوم بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، حيث يجمع بين تحليلات متقدمة وأحدث الأبحاث الأكاديمية حول الإنتاجية. وقد تم اختباره بدقة من قبل خبراء اقتصاديين عالميين لضمان مصداقيته وملاءمته للواقع الاقتصادي المتغير.
وفي هذا السياق، قال شادي مجاعص، الشريك في “ستراتيجي& الشرق الأوسط”: “يوفر مؤشر الإمكانات الإنتاجية لصنّاع القرار رؤى معمّقة وأداة عملية تساعدهم في تحديد الأولويات الاستراتيجية وتوجيه جهودهم نحو المجالات الأكثر قدرة على تعزيز الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، مما يمكّنهم من اتخاذ قرارات أكثر كفاءة وفعالية في تطوير الاقتصادات المستقبلية”.
● الإمارات والسعودية والبحرين وقطر ضمن قائمة العشرة الأوائل عالمياً في “رأس المال المادي” ما يؤكد التأثير الإيجابي للاستثمارات في البنية التحتية على الإنتاجية والنمو الاقتصادي
أبرز مخرجات تقرير الإمكانات الإنتاجية 2025
يكشف التقرير عن فرص واتجاهات محورية تسهم في رسم مستقبل الإنتاجية العالمية، وتشمل: النهج الشامل للنمو لما بعد الناتج المحلي الإجمالي، إذ يتماشى مؤشر الإنتاجية المُمَكنّة مع مفهوم ما بعد الناتج المحلي الإجمالي (Beyond GDP)، مبرزاً نقاط التقاطع بين النمو والابتكار وتقليل الانبعاثات الكربونية والتماسك الاجتماعي، مما يجعل المؤشر أداةً قيّمةً لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs) وأجندة 2030.
ومن الفرص والاتجاهات المحورية: دور الحوكمة الفعالة في دفع الإنتاجية، حيث تُسهم المؤسسات القوية في دعم ريادة الأعمال وتعزيز منظومات الابتكار، وضمان كفاءة توظيف رأس المال البشري والمادي والفكري، مما ينعكس إيجابياً على كفاءة الإنتاجية والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، غالباً ما تتغافل المقاييس التقليدية للإنتاجية عن تأثير الجودة المؤسسية، مما يبرز أهمية هذه الأدلة الجديدة في تمكين صنّاع السياسات من فهم العوامل الحقيقية لتحسين الإنتاجية.
كما تشمل الفرص والاتجاهات المحورية: التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فعلى الرغم من أن رأس المال البشري والمادي يشكلان دعامة أساسية للإنتاجية في جميع الدول، فإن البحث العلمي وبراءات الاختراع هما العاملان الفاصلان بين الاقتصادات التقليدية والاقتصادات الرابحة في سباق الإنتاجية. ومع استمرار هذا الاتجاه خلال السنوات القادمة، يُتوقع أن يزداد التحول العالمي نحو نمو اقتصادي قائم على المعرفة، مدفوعاً بتقدم التكنولوجيا والابتكار العلمي.
ويتميز الإصدار الجديد من مؤشر الإمكانات الإنتاجية بأداة محاكاة تفاعلية عبر الإنترنت لسياسات تحسين الإنتاجية، تُتيح للمستخدمين مقارنة وتحليل أداء 60 دولة باستخدام 19 مقياساً مختلفاً. وتوفر هذه الأداة رؤى عملية معمّقة للإجابة على السؤال الجوهري: “إلى أي مدى يمكن أن تزدهر إنتاجية الدول إذا ما نجحت في تسخير مواردها وقدراتها بأعلى كفاءة ممكنة؟”