الشارقة – الوحدة:
افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح الدولي “المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية”، ورئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير “شروق”، فعاليات ندوة ومعرض ” إفريقيا وشبه الجزيرة العربية: الروابط الأثرية خلال العصر الحجري “، التي تنظمها هيئة الشارقة للآثار في مقرها، بالتعاون اللجنة الوطنية لحفظ التراث في زامبيا ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء الدوليين المتخصصين في علم آثار العصر الحجري، على مدار يومي 26 و27 فبراير الجاري، بهدف استكشاف الروابط الأثرية المشتركة بين إفريقيا التي يُحتفى بأنها مهد الهجرة البشرية وشبه الجزيرة العربية التي تُعتبر بوابة الهجرة البشرية المبكرة إلى العالم، وتسليط الضوء على الإرث الثقافي المشترك، وأنماط الهجرة القديمة، والتطورات في العصر الحجري، مما يُجسد مكانة الشارقة كمركز عالمي رائد في الأبحاث الأثرية.
وشهدت الندوة حضور كل من سعادة عيسى يوسف، مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وسعادة الدكتور صباح عبود جاسم، مستشار هيئة الشارقة للآثار، وسعادة سالم عمر سالم، مدير المكتب الإقليمي لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في الشارقة، وسعادة أحمد عبيد القصير، المدير التنفيذي لهيئة الاستثمار والتطوير (شروق)، وسعادة الأستاذ الدكتور علي هلال النقبي، مدير جامعة خورفكان إلى جانب نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجال الآثار والتراث الثقافي.
رحلة تفاعلية في عمق التاريخ
وتضمن حفل الافتتاح تدشين الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي للمعرض المصاحب للندوة، الذي يسلط الضوء على الاكتشافات الأثرية الداعمة لنظرية مسارات الهجرة القديمة المشتركة، والتكيفات البيئية والثقافية بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ويستعرض مواد أثرية من موقعين بارزين، أحدهما في زامبيا والآخر في موقع الفاية، المرشح للإدراج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويضم مجموعة متميزة من القطع الحجرية النادرة التي تعكس تطور الصناعات الحجرية عبر العصور، وعدد من الأدوات الحجرية التي تمثل مراحل مختلفة من العصر الحجري، بدءًا من الفؤوس اليدوية، التي تعكس أقدم تقنيات صناعة الأدوات الحجرية، بالإضافة إلى أدوات آشولية من العصر الحجري المبكر، وأخرى تنتمي إلى تقاليد سانغوان ولوبمبان، بما في ذلك الرماح ذات الحواف المتوازية، التي توثق تطورات جوهرية في تقنيات التصنيع والاستخدام.
أما عن العصر الحجري الأوسط المتأخر والعصر الحجري الحديث، فيشمل المعرض أدوات متقدمة مثل المكاشط والرقائق ثنائية الوجه (Biface Flake)، التي تعكس تحسينات تقنية بارزة وتطبيقات متخصصة في مجالات الصيد والاستخدامات الحياتية الأخرى. إلى جانب ذلك، يستعرض المعرض قطعًا فخارية من تقليد كالوندو من العصر الحديدي، والتي تقدم رؤى فريدة حول التحولات الثقافية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات البشرية مع انتقالها من عصور ما قبل التاريخ إلى الفترات التاريخية المبكرة.
التراث الأثري: هوية حية تلهم المستقبل
وفي كلمتها الرئيسية، أكدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح الدولي “المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية”، ورئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير “شروق”، على أهمية البحث العلمي والتعاون الدولي في مجال علم الآثار، مسلّطة الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الشارقة في دعم الدراسات الأثرية وتوفير منصة للباحثين والخبراء من جميع أنحاء العالم.
وقالت: “علم الآثار يتجاوز الدراسة الأكاديمية للماضي لكشف وفك رموز قصتنا الإنسانية ومشاركتها مع العالم. فالروابط العميقة الجذور بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، كما يتبيّن من خلال الهجرة والتكيّف والابتكار، تُذكّرنا بأن الحضارات بُنيت على تبادل المعرفة والتأقلم مع البيئات المختلفة، وتلتزم الشارقة بالحفاظ على هذه الروابط ودراستها لصالح مجتمعات اليوم، كما يتجلّى في ترشيح موقع الفاية لقائمة التراث العالمي لليونسكو. ومن خلال التعاون والبحث والحفظ، نضمن استمرار الماضي في إلهام المستقبل”.
التراث الإنساني المشترك منصة علمية رائدة تعمل على توثيق وحماية المكتسبات الحضارية
من جانبه، أكد سعادة عيسى يوسف، مدير عام هيئة الشارقة للآثار، على الأهمية الاستراتيجية لهذه الندوة في تسليط الضوء على التراث الحجري المشترك بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، مشيرًا إلى أن دراسة هذه الروابط الأثرية لا تسهم فقط في توثيق الماضي، بل توفر أيضًا رؤى أعمق حول أنماط تحركات البشر الأوائل، والتفاعل الثقافي الذي شكل ملامح الهجرات إلى المنطقة.
وأضاف: “تولي هيئة الشارقة للآثار أهمية كبرى لدراسة التراث الإنساني المشترك، باعتبارها منصة علمية رائدة تعمل على توثيق وحماية المكتسبات الحضارية، وتعزيز الأبحاث الأثرية التي تسهم في إعادة رسم خارطة التفاعل الإنساني عبر العصور، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بدعم البحث العلمي في مجال الآثار، وتعزيز مكانة الإمارة كمركز عالمي للحوار الأكاديمي حول التراث والتاريخ، مؤكدين التزامنا بتوفير بيئة بحثية متقدمة تجمع الخبراء والمتخصصين من مختلف أنحاء العالم، وتدعم تبادل المعرفة والخبرات، بما يعزز فهمنا للتحولات التاريخية التي شهدتها منطقتنا، ويدعم جهود الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة.”
استكشاف مسارات الهجرة والتكيف البيئي
وألقت إيرين موينغا، رئيسة مجلس إدارة هيئة التراث الوطني في زامبيا، كلمة أشارت فيها إلى أهمية هذه الندوة في ربط الحلقات المفقودة من تاريخ البشرية، وتعزيز الحوار العلمي بين الباحثين من مختلف القارات، بينما أكد والبروفيسور نيكولاس كونارد، ممثلاً عن برنامج HEADS لليونسكو وعميد كلية دراسات ما قبل التاريخ في جامعة توبنغن الألمانية، أن جبل الفاية يُعد من أهم المواقع الأثرية في الجزيرة العربية، حيث يوثّق أكثر من 200,000 عام من استيطان الإنسان في الصحراء. ويوفر هذا الموقع أفضل الأدلة الأثرية الطبقية والمؤرخة من أواخر العصر الجليدي، وهي فترة شهدت تكيف الإنسان المبكر مع التغيرات المناخية والبيئية، مما يساهم في فهم هجرة البشر والتكيفات التكنولوجية ودور جنوب الجزيرة العربية كممر رئيسي للخروج من إفريقيا.
وشدد د. كونراد أنه قبل الاكتشافات الأثرية الهامة في الفاية، كان الطريق الجنوبي للهجرة البشرية المبكرة مجرد فرضية، أما اليوم، فهو من أهم النظريات في دراسات تطور الإنسان.
شهدت الندوة في يومها الأول عدة جلسات حوارية، كان أبرزها جلسة نقاشية بعنوان “مسارات الهجرة من إفريقيا”، والتي أدارها الدكتور منير بوشناقي، مؤرخ ومستشار التراث العالمي وعالم الآثار الجزائري بمشاركة خبراء دوليين، حيث ناقشوا الدور الجغرافي والبيئي في تشكيل طرق الهجرة البشرية القديمة.
وتلت هذه الجلسة جلسة أخرى بعنوان “استراتيجيات التكيف البشري: التحديات البيئية والابتكارات الحجرية”، حيث ناقش الباحثون سبل التكيف مع البيئات المتغيرة، والابتكارات التي شهدتها الصناعات الحجرية خلال العصور المختلفة، مستعرضين نتائج دراسات أثرية من دولة الإمارات العربية المتحدة، إثيوبيا، زيمبابوي، وزامبيا.
دور شرق إفريقيا في حركة الهجرات البشرية
شارك في الجلسة نخبة من الخبراء والمتخصصين الذين قدموا رؤى معمقة حول التراث الحجري ومسارات الهجرة البشرية عبر العصور، ودور شرق إفريقيا في حركة الهجرات البشرية، والعوامل البيئية والجغرافية التي أثرت في انتقال الإنسان عبر القارات.
التأثيرات الجيولوجية على توزيع الأدوات الحجرية بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية
ناقشت الندوة التأثيرات الجيولوجية على توزيع الأدوات الحجرية بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ودور العوامل الطبيعية في تشكيل أنماط الحياة والتنقل في العصور القديمة. كما تناولت أهمية الطريق الجنوبي باعتباره ممرًا محوريًا للهجرات البشرية، مستعرضةً الأدلة الأثرية التي تؤكد الدور الاستراتيجي لهذه المنطقة في الربط بين الحضارات، حيث تم تسليط الضوء على جنوب شرق الجزيرة العربية كمحطة رئيسية للتفاعل الثقافي بين إفريقيا وآسيا، موضحين كيف أسهمت هذه المنطقة في تعزيز الروابط الحضارية بين القارتين عبر العصور.
زيارة ميدانية إلى الفاية
ويُستكمل برنامج الندوة في اليوم الثاني بزيارة ميدانية إلى موقع الفاية، أحد أبرز المواقع الأثرية التي توفر أدلة مباشرة على مسارات الهجرة البشرية القديمة في شبه الجزيرة العربية، حيث سيحصل المشاركون على شرح مفصل من قبل خبراء في علم الآثار للموقع الذي ويقدم أدلة استثنائية على هجرة الإنسان المبكرة، وقدرته على التكيف والصمود في واحدة من أكثر البيئات الصحراوية قسوة، مما يجعله حجر زاوية في فهم التاريخ المشترك للبشرية.