أخبار الوطن

محاضرة قرآنية في نادي مليحة: تأملات بيانية في آيات الذكر الحكيم

الشارقة – الوحدة:

نظم نادي مليحه الثقافي الرياضي محاضرة قرآنية بعنوان “وقفات بيانية مع آيات من الذكر الحكيم”، وذلك ضمن فعالياته الرمضانية، حيث استضاف سعادة الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، في مقر النادي، ليتناول بالشرح والتدبر أسرار البيان القرآني وجماليات آياته التي تهدي القلوب وتسمو بالأرواح.

شهدت المحاضرة التي أقيمت مساء أمس حضور نخبة من الشخصيات البارزة، من بينهم محمد سلطان الخاصوني، رئيس مجلس إدارة نادي مليحه، ومصبح سيف الكتبي، مدير بلدية مليحه، والدكتور سعيد بالليث الطنيجي، إلى جانب أعضاء مجلس إدارة النادي، سالم راشد الكتبي، وحمد تميم الكتبي، بالإضافة إلى حضور واسع من الرياضيين والمدربين وأفراد المجتمع، الذين تفاعلوا مع مضمون المحاضرة وأثنوا على ما قدمه المحاضر من طرح قيم ونفحات إيمانية عميقة.

افتتح الدكتور المستغانمي محاضرته بتهنئة الحضور بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، مؤكدًا أن هذا الشهر الفضيل يمثل فرصة عظيمة للتدبر في آيات الله، فهو شهر الصيام الذي اقترن بنزول القرآن، إذ قال الله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185).

وتوقف عند معاني هذه الآية، موضحًا أن الصيام عبادة تربوية تهذب النفس، وتوقظ القلب للإقبال على الله، وتجعل الإنسان أكثر وعيًا بمعاني التقوى والخشوع.

وانتقل المحاضر إلى الحديث عن تدبر القرآن وأهميته في حياة المسلم، مشيرًا إلى قول الله تعالى: “أفلا يتدبرون القرآن” (محمد: 24)، موضحًا أن هذا الاستفهام جاء للتحفيز والحث على التأمل العميق في معاني القرآن، حيث أن تدبره يفتح أبواب الحكمة، ويملأ القلب بالإيمان والطمأنينة.

وبيّن أن القرآن الكريم ليس مجرد نص يُقرأ، بل هو رسالة إلهية حية تتفاعل مع قلوب المؤمنين، فهو كلام الله الذي لا يسمعه منصف إلا وأدرك أنه وحي منزل من الخالق الحكيم.

وتوقف الدكتور المستغانمي عند آية الكرسي، التي تُعدّ أعظم آية في كتاب الله، موضحًا أن فيها تعريفًا شاملًا بالله سبحانه وتعالى، حيث قال رسول الله ﷺ لأبي بن كعب حين سأله: “يا أبا المنذر، أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟” فقال: “الله ورسوله أعلم”، فقرأ: “اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ” (البقرة: 255)، فصدّقه النبي ﷺ، وأقره على ذلك. وأوضح المحاضر أن هذه الآية تجمع أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، حيث إن كلمة “الله” هي الاسم الجامع لكل أسمائه الحسنى، ولفظ “الحي القيوم” يعكس كمال الألوهية والربوبية، فهو سبحانه الحي الذي لا يموت، والقيوم القائم على تدبير شؤون السموات والأرض، فلا تأخذه سنة ولا نوم، فهو المدبر لكل شيء بلا غفلة ولا نسيان.

وفي سياق الحديث عن معاني التوحيد، استعرض الدكتور المستغانمي قصة نبي الله يونس عليه السلام، عندما نادى ربه في الظلمات قائلاً: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” (الأنبياء: 87)، مشيرًا إلى أن هذه الدعوة كانت مفتاح النجاة، إذ استجاب الله له ونجاه من الكرب العظيم، وهذه الآية تحمل في طياتها درسًا عظيمًا في التضرع لله والاعتراف بالتقصير، مما يجعلها دعاءً مباركًا يلهج به المؤمن في أوقات الشدة.

ثم تطرق إلى الحديث عن معاني الحرية في الإسلام، مستشهدًا بقول الله تعالى بعد آية الكرسي مباشرة: “لا إكراه في الدين” (البقرة: 256)، موضحًا أن هذه الآية تؤكد على مبدأ الاختيار في الدخول إلى الإسلام، فالدين لا يُفرض بالإكراه، وإنما يُدعى إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، مما يعكس عدالة التشريع الإسلامي ورحمته بالعالمين.

وفي محور آخر من المحاضرة، تناول الدكتور المستغانمي الحديث عن آيات الصيام، مبرزًا أوجه البلاغة والتشويق فيها، حيث خاطب الله المؤمنين بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى استخدم أسلوب التشويق بقوله “أيامًا معدودات”، مما يخفف المشقة ويجعل الصيام يسيرًا على النفوس، وأكد أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب للنفس على التقوى، وتربية للروح على الصبر والانضباط.

وأشار إلى أن الإسلام دين الرحمة والتيسير، حيث قال الله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة: 185)، ومن مظاهر ذلك الرخص التي منحها الله للمسافر والمريض في الإفطار مع وجوب القضاء، فضلًا عن خيار الفدية لمن لا يستطيع الصيام، مما يعكس حكمة التشريع الإلهي في مراعاة أحوال الناس.

وختم الدكتور المستغانمي محاضرته بالتأكيد على أن شهر رمضان يجمع بين أعظم نعمتين وهما الصيام وتلاوة القرآن، مشددًا على أهمية التدبر في آيات الله، وعدم الاكتفاء بالتلاوة السطحية، بل ينبغي البحث في معاني الآيات، والاستفادة من علوم اللغة العربية والنحو والصرف وأسباب النزول لفهم أعمق لرسالة القرآن، مؤكدًا أن القرآن الكريم يمتلك من القوة والتأثير ما لو أنزل على الجبال لتصدعت، مستشهدًا بقوله تعالى: “ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى” (الرعد: 31)، مبينًا أن هذه الآية تعكس عظمة تأثير القرآن في النفوس.

وفي ختام الفعالية، قام محمد سلطان الخاصوني، ومصبح سيف الكتبي، والدكتور سعيد بالليث الطنيجي، وسالم راشد الكتبي، وحمد تميم الكتبي، بتكريم الدكتور امحمد صافي المستغانمي، تقديرًا لجهوده في خدمة اللغة العربية وتعزيز الوعي بالبيان القرآني، وسط إشادة واسعة من الحضور الذين أعربوا عن امتنانهم لهذه الأمسية الرمضانية الروحانية، التي أعادتهم إلى جوهر التدبر والتأمل في معاني كتاب الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى