“مجموعة كلمات” تثري القارئ العربي بروائع الأدب الأفريقي
الشارقة – الوحدة:
في إطار جهودها بتقديم روائع الأدب العالمي للقارئ العربي، تثري “مجموعة كلمات” مكتبتها بإصدارات حديثة تفتح آفاقاً جديدة للتعرف على تجارب مبدعين أفارقة شكلوا أدب القارة، حيث نشرت مؤخراً رواية “أحوال عصابية” للكاتبة الزيمبابوية تسيتسي دانغاريمبغا، التي تعكس تعقيدات الحياة في ظل الاستعمار في روديسيا.
قضايا الهوية والتعليم والثنائية الثقافية
تعد رواية “أحوال عصابية” واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التي تعكس واقع الحياة في مجتمع مستعمر خلال فترة مهمة من تاريخ زيمبابوي (روديسيا سابقاً)، وهي تمثل الجزء الأول من ثلاثية تحمل العنوان نفسه، حاصلة على جائزة “رابطة الشعوب البريطانية” للكتاب الأول في إفريقيا في طبعتها الأولى عام 1988.
تستعرض دانغاريمبغا في روايتها، الواقعة في 310 صفحات من القطع المتوسط، قضايا متعددة تتعلق بالهوية، والتعليم، والنوع البشري، والصراع بين الثقافة المحلية والنظام الاستعماري. وتعتمد الرواية في سردها على شخصية تامبودزاي: فتاة شابة من روديسيا تكافح لتتعلّم في مجتمع يعيش بين مطرقة التقاليد وسندان العنصرية والاستعمار.
تبدأ الرواية بشخصية بتامبو، وهي تعبر عن عدم أسفها لوفاة شقيقها نامو، حيث تعود بالذاكرة لتشرح للقارئ كيف نشأت هذه المشاعر السلبية ولماذا؟ فهي فتاةٌ حسّاسةٌ مرهفة لكنها تحمل “مشاعر تجاه أشياء كثيرة”، وهنا تبدأ في سرد الحقائق من خلال قصص عائلية تتعلق بخالتها لوسيا ووالدتها وزوجة عمها مايجورو وابنة عمها نياشا.
تشكل الشخصيات المركزية في حياة تامبو جزءاً كبيراً من الرواية، حيث إن مصائرهم متشابكة في ظل النظام الأبوي الذي يمارسه عمها المتعلم باباموكورو، الذي حصل على شهادة البكالورويس من إنجلترا، وكانت تامبو تطمح إلى الخروج من الفقر من خلال التعليم، إلا أن رحلتها لا تخلو من الصراعات الشخصية والمجتمعية.
التمييز الجندري في حق التعليم
تتمحور الأحداث حول رغبة تامبو العارمة في الحصول على التعليم، كطريق وحيد أمامها للخروج من فقر أسرتها الريفية، وتعكس هذه الرغبة الصراع الشخصي بين تامبو وعائلتها، خاصةً والدها الذي لا يرى جدوى من تعليم الفتاة.
كما تسلط الرواية الضوء على التمييز الجندري الذي يجعل التعليم امتيازاً للذكور مثل أخيها نامو، في حين يُنظر إلى الفتيات كأدوات لإعالة العائلة من خلال الزواج وليس من خلال التعليم، ويبرز ذلك جلياً في خطاب والدها وهو يقول لها: “هل بوسعك طهي الكتب وإطعامها لزوجك؟!”. ومع ذلك تحدّت تامبو هذه الأفكار، وبدأت زراعة الذُّرة بنفسها لجمع الرسوم الدراسية.
الصراع الثقافي بين عالمين متناقضين
واحد من أهم محاور الرواية هو الصراع بين القيم التقليدية الأفريقية والنظام الاستعماري الغربي؛ فتامبو تعيش بين هذين العالمين المتناقضين: العالم الريفي التقليدي الذي تحكمه الأعراف والقيم المحلية، والعالم الاستعماري الذي يجلب معه ثقافة وتعليماً غربياً لا يتوافق بالضرورة مع الواقع الأفريقي. هذا الصراع يظهر بوضوح في شخصية نياشا، التي تتأثر بالثقافة الغربية بعد دراستها في إنجلترا، وتصبح غير قادرة على التكيف مع الثقافة المحلية.
التأثير الاستعماري على الأسرة
الأسرة في رواية “أحوال عصابية” هي صورة مصغّرة للمجتمع الروديسي المستعمر؛ فباباموكورو يمثل النظام الاستعماري الذي يحاول فرض قيمه على أفراد العائلة، ودوره معلّمًا ومديرًا في المجتمع يرمز إلى السلطة التي يملكها النظام التعليمي الغربي في تشكيل العقول وتوجيه الأفراد. لكن الرواية تقدم نقداً واضحاً لهذه السلطة من خلال شخصية نياشا التي تعاني من الاضطراب النفسي نتيجة الضغط الثقافي، وكذلك من خلال مايجورو التي تدرك أن تعليمها، وتحضيرها للدراسات العليا، لم يمنحها السلطة الحقيقية داخل العائلة.
استطاعت تسيتسي دانغاريمبغا في “أحوال عصابية” تقديم رؤية نقدية للأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تعيشها الشخصيات، مما يجعل الرواية قادرة على التواصل مع القراء على مستوى عالمي رغم أنها تنبع من سياق محلّي خاص.