● امحمّد صافي المستغانميّ: اللّغة العربيّة لمن يعيشها والانغماس اللّغويّ الحقيقيّ يتحقّق عندما يُصبح الكتاب أنيسًا ونديمًا
● وائل فاروق: كَرَمُ صاحب السّموّ حاكم الشّارقة ومشاريعه لنشر الثّقافة العربيّة لا تنقطع
الشارقة – الوحدة:
احتفى “مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة” في مقرّه بتخريج وفدٍ طلّابيٍّ وأكاديميٍّ من جامعة القلب المُقدّس الكاثوليكيّة بميلانو، إيطاليا، يضمّ 11 طالبة وطالبًا. ونظّم المجمع برنامجًا لغويًّا وثقافيًّا وسياحيًّا مكثّفًا، بهدف تعزيز مهارات الوفد المشارك في اللّغة العربيّة وربْطهم بثقافتها الحيّة، وتعريفهم بتاريخ إمارة الشّارقة ومعالمها التّاريخيّة، ضمن برنامجٍ أوسعَ للتّعاون بين المجمع والمؤسّسات الأكاديميّة الدّوليّة، في إطار رؤية المجمع لتعزيز مكانة اللّغة العربيّة عالميًّا، وتطوير كفاءات مُعلّميها، وترسيخ حضور الشّارقة كعاصمةٍ للثّقافة العربيّة.
وأقام المجمع فعاليًةً تكريميّةً للوفد الإيطاليّ الزّائر، بحضور الدّكتور امحمّد صافي المستغانميّ، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة، وسعادة خالد بن بطّي الهاجريّ، مدير عامّ المدينة الجامعيّة، والدّكتور وائل فاروق، مدير المعهد الثّقافيّ العربيّ في الجامعة الكاثوليكيّة، والدّكتورة أليزيا فيريرو، أستاذة قسم اللّغات الأجنبيّة. وقام الدّكتور المستغانميّ برفقة سعادة خالد بن بطّي الهاجريّ ومعلّمات “مركز اللّسان العربيّ” بتكريم الطّالبات والطّلّاب المشاركين وتوزيع الهدايا التّذكاريّة عليهم، واختُتمت الفعاليّة بصورةٍ جماعيّةٍ لفريق العمل وأعضاء الوفد، تلتها مأدبةُ غداءٍ في مقرّ المجمع.
وفي كلمته خلال الحفل، رحّب الدّكتور امحمّد صافي المستغانميّ بسعادة خالد بن البطّي الهاجريّ، مدير عامّ المدينة الجامعيّة، والطّلّاب والطّالبات وأعضاء المجمع. وقال: “نشكر صاحب السّموّ الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ، عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة، الّذي يُكرِم ضيوف الإمارة، ونُثمّن هذا اللّقاء العلميّ التّربويّ الثّقافيّ، الّذي جمع طلّاب جامعة القلب المقدّس الكاثوليكيّة في ميلانو”.
الّلغة العربيّة لمَن يعيشها
ووَجّهَ الدّكتور المستغانميّ رسالة للطلّاب، قائلًا: “اللّغة العربيّة لمَن يعيشها؛ العَيْش في رحاب اللّغة والانغماس اللّغويّ والتّفاعل هو مفتاح إتقان العربيّة، لكن هذا لا يتوفّر دائمًا؛ ولهذا نصيحتي للإخوة والأخوات هي القراءة. إذا كنت صاحبًا للكتاب فأنت تعيش ثقافة هذا الكتاب وثقافة كاتبه، وتستفيد من أفكاره، وتعيش عمرَه وخلاصة
تجربته، ولهذا فإنّ الانغماس اللّغويّ يتحقّق عندما يصبح الكتاب أنيسًا وسميرًا ونديمًا ومصاحبًا في الحِلّ والتّرحال، في السّفر والإقامة. مباركٌ لكم هذا التّخرّج وإلى المزيد من التألّق والتّفوّق”.
ممارسة الّلغة وتعزيز التّبادل الثّقافيّ
من جانبه، أعرب خالد بن البطّي الهاجريّ، عن سعادته بتخرّج الوفد، مخاطبًا الطّلّاب الإيطاليّين: “في ثقافتنا العربيّة، من يعيش بيننا ثلاثةَ أيامٍ وثلاثَ ليالٍ، يُصبح من أصحاب البيت، ولهذا أنتم أصحاب البيت ونحن ضيوفكم، ونحن سعداء بكم لأنّكم من صفوة المجموعات الطّلّابيّة الّتي ثابرت على تعلّم اللّغة العربيّة في المجمع، وأنتم محظوظون لأنّكم تدرسون هذه اللّغة في إمارة الشّارقة الباسمة، لأنّ حاكمها هو راعي الثّقافة في الوطن العربيّ، والهدف ليس فقط تعلُّم مفردات اللّغة، بل المشاركة في تعزيز عمليّة التّبادل الثّقافيّ”.
بدوره، قال الدّكتور وائل فاروق: “لا يمكن أن نبدأ كلامنا إلّا بشكر صاحب السّموّ حاكم الشّارقة، الذي لا ينقطع كرمه؛ لأنّ مشاريعه الثّقافيّة وجهودَه لنشر الثّقافة العربيّة لا تنقطع، وكرمُه واصلٌ إلينا من الخير الكثير الّذي يقوم به في خدمة الثّقافة العربيّة، ونشكركم على الكرم الّذي غمرتمونا به، من استضافةٍ واحتفاءٍ، وسماحةِ الوجه وانفتاحِ القلب. لقد عاملتمونا كإخوةٍ وأحبّةٍ، وما أثّر في نفوسنا هذه المحبّة الغامرة التي لقيناها منكم، فشكرًا لكم، ونتمنّى أن نعود كمشاركين وفاعلين في العمل من أجل خير اللّغة العربيّة تحت قيادتكم”.
منهجُ مبتَكرٌ لتعليم العربيّة انطلاقًا من بِنْيتها الذّاتيّة
وفي اليوم السّابق لحفل التّخرّج، قدّم الدّكتور وائل فاروق محاضرةً لمعلّمات “مركز اللّسان العربيّ” التّابع للمجمع، أكّدَ فيها أنّ الاعتماد على اللّغات الأجنبيّة في تعليم اللّغة العربيّة لغير النّاطقين بها يؤدّي إلى إضعاف الفهم العميق للّغة ويشوّه صورتها الثّقافيّة والدّينيّة. وشدّدَ على أنّ تعليم العربيّة يجب أن ينطلقَ من داخل بِنْيتها، وأن يُقدَّم بلُغَتها منذ المراحل الأولى، باستخدام أساليب تعليم اللّغات الأجنبيّة، لا عبْر ترجمة مصطلحات النّحو والصّرف، الّتي تقتل -حسب وصْفه- روح اللّغة، وتؤدّي إلى أخطاء كارثيّة في فهم الأدب العربيّ والنّصوص الإسلاميّة.
وخلال المحاضرة، استعرض الدّكتور فاروق منهجًا تعليميًّا جديدًا طوَّرَه مع الدّكتورة فيريرو تحت عنوان “الكَلِم الحيّ” (Le parole in azione)، يتكوّن من خمسة أجزاءٍ، تُدرّس في الأجزاء الثّلاثة الأولى منها اللّغة العربيّة من المبتدئ حتّى المتقدّم، فيما يتناول الجزء الرّابع النّحو والصّرف، ويُركّز الجزء الخامس على تعليم اللّغة العربيّة في الإعلام.
وأوضحَ فاروق أنّ النّموذج التّقليديّ الّذي يعتمد على القواعد والتّرجمة لَم يعُد مناسبًا للاحتياجات التّعليميّة الحديثة؛ إذ يؤدّي إلى صعوبة في المحادثة والتّعبير الكتابيّ وفهم النّصوص السّمعيّة. وبيّنَ أنّ المنهج الجديد يعالج هذه الإشكاليّات عبر الانتقال من التّمرين والتّجربة إلى الفهم المجرَّد، وتقديم المفاهيم من خلال الممارسة والتّكرار، لا من خلال التّعريفات النّظريّة المعزولة، فالنّحو العربيُّ لا يُقدّم “كينوناتٍ” بقدْرِ ما يُبلور علاقاتٍ، ممّا يجعله أساسًا لفهم رؤية الثّقافة العربيّة للإنسان والعالم. وأشارَ إلى أنّ المنهج يبدأ بالتّدرّج من الحروف؛ الأسهل إلى الأصعب، مرورًا بالتّراكيب البلاغيّة والصّرف بطُرقٍ غير مباشرةٍ، تعتمد على تنمية الأذُن اللّغويّة لدى المتعلّم، ضمن سياق متكامل يجمع مهارات الاستماع، والمحادثة، والقراءة، والكتابة، وفهم النَّصّ.
أسبوعٌ عامرٌ بالمحبّة والمعرفة
وخلال حفل التّخرّج، ألقت ميلا فانتينالي، الباحثة في دكتوراه الأدب العربيّ المعاصر بإيطاليا، كلمةً بالنّيابة عن أعضاء الوفد، قالت فيها: “يُشرّفني أن أقفَ أمامكم في حفل الختام، وأودّ أن أشكرَ صاحب السّموّ حاكم الشّارقة، ومدير عامّ مجمع اللّغة العربيّة، ومدير عامّ المدينة الجامعيّة، والجامعة الكاثوليكيّة على هذا الأسبوع المكثّف العامر بالمحبّة والدّراسة والتّبادل الثّقافيّ، حيث زُرنا مختلِف معالم إمارة الشّارقة، عاصمة الثّقافة العربيّة، وكانت تجربةً جميلةً استفدنا منها على كافّة الأصعدة، ونشكركم على هذه الفرصة والاستضافة”.
وعرض الطّلّاب مقطعًا مصوَّرًا، قاموا بتصويره كهديّة شكرٍ وامتنانٍ على الاستضافة، عبّروا فيه عن مشاعرهم وسعادتهم بالتّعرّف على ثقافة الشّارقة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة وتاريخها، وعلى جماليّات اللّغة العربيّة، وبتلك الفرصة المميّزة بالمشاركة في مدّ جسور الحوار الثّقافيّ بين إيطاليا ودولة الإمارات، كما أهدوا لوحتين فنّيّتين بالخطّ العربيّ إلى المجمع، كتبوها بأنفسهم وحملت توقيعاتهم، بالإضافة إلى تقديم عددٍ من الهدايا لمعلِّمات “مركز اللّسان العربيّ” التّابع للمجمع، كما غنّت ميلا فانتينالي برفقة زميلها أليساندرو أغنيّة “أؤمن”.