باحثون سياسيون: اليابان تحتاج لتحسين إمكانياتها في مكافحة التجسس
واشنطن – (د ب أ):
يرى باحثون بارزون أنه يتعين على اليابان تحسين إمكانياتها في مكافحة التجسس، باعتبارها أهم حليف أسيوي لأمريكا.
وقال الدكتور جوليان سبنسر- تشرشل أستاذ العلاقات الدولية المساعد بجامعة كونكورديا الكندية، وأوليس أوليفييرا بابتيستا الباحث المساعد في المركز الكندي للدراسات الاستراتيجية، وماكسيميليان هاتشيا الباحث في دراسات الحرب بكلية كينجز لندن في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” إن الغزو الروسي لأوكرانيا دخل عامه الثالث. وكان هناك ثمن باهظ للفشل في التعامل تجاهه بصورة ملائمة والاستعداد لما بات حربا طويلة. وأظهرت العديد من التقارير الاستخباراتية من مصادر (بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وغيرها) بوضوح درجة معينة من لوعي بالحشد الروسي.
وأضاف الباحثون الثلاثة أن مع ذلك جاءت الإجراءات الوقائية متأخرة للغاية، حيث لم توافق أوكرانيا على إعلان حالة الطوارئ إلا قبل يوم من الغزو الروسي. ولم يعوض الفشل في تطهير الجيش الأوكراني من القادة المتعاطفين مع موسكو – مما أسفر عن فقدان جزء كبير من جنوب شرقي أوكرانيا- إلا عدم استعداد الجيش الروسي لمواجهة المقاومة.
و هناك تحد مشابه يواجه اختراق عملاء صينيين ومتعاطفين مع بكين لتايوان.
وتمتلك اليابان رادعا بحريا قويا وتوازنا معادلا للعدوان الصيني. وللأسف، تحظى اليابان بسمعة سيئة كـ “جنة الجواسيس”. ولا يمكن للحكومة حماية الأسرار الدفاعية ولذلك ترأس بيئة يعمل بها العملاء الأجانب بتحرر إلى حد ما من الانكشاف والعقوبات.
ونجم هذا الاختلاف عن غياب “قانون لمكافحة التجسس” صارم بينما تتردد وكالات إنفاذ القانون الحالية في فرض ضوابط وعمليات مراقبة صارمة. وأفضى هذا الاتجاه المتراخي إبان الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي إلى اختراقات متكررة كان يمكن تفاديها.
ويرى الباحثون الثلاثة أن المراجعات التي أجريت مؤخرا على قوانين مكافحة التجسس في اليابان أثبتت أنها أداة ضعيفة بالنسبة لوكالات الأمن في البلاد، وأن الأمر يتطلب عملية إصلاح كبيرة.
وفي عام 2013 أدى انكشاف مادة سرية في قضية سافيليف (2005) وتسريب إيجيس (2007) إلى ضغط واشنطن على رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي كي يسرع عملية تمرير قانون السرية المعد خصيصا. ومثل قانون السرية آنذاك تحسنا ملحوظا وعزز قانوني السرية المحليين الحاليين واتفاقين للسرية الثنائية بين الولايات المتحدة واليابان.
ورغم ذلك ينطوي قانون السرية على خللين جسيمين. الأول أنه ينص على عقوبة قصوى تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة بقيمة 10 ملايين ين (نحو 70 ألف دولار)، في حال الإدانة.
وذكر الباحثون الثلاثة بأن القانون يعتبر أكثر تساهلا بدرجة كبيرة بالمقارنة بقانون التجسس الأمريكي وقوانين أخرى لمكافحة التجسس تفرض عقوبة قصوى تصل إلى السجن مدى الحياة أو حتى الإعدام في حال الإدانة. وأعرب المنتقدون عن تشككهم إزاء إمكانية ردع أحكام العقوبات للتجسس.
و الخلل الثاني هو أن القانون لا ينص على العقوبة إلا بحق من سرقوا مواد سرية جرى تصنيفها بوضوح باعتبارها “أسرارا ذات تصنيف خاص” أو أفشوها. ومن الجدير بالملاحظة أن من يجمعون أو يسربون مواد ذات طبيعة حساسة لا تحمل هذا التصنيف، أو قبل أن يتم تصنيفها على هذا النحو، لم يمكن أن يدانوا بموجب قانون السرية المعد خصيصا. ويخضع الوصول إلى بيانات شخصية أقل سرية بنية تحديد هوية مواطنين يابانيين وابتزازهم لإفشاء مواد استخباراتية أو سرقة بيانات تصميمات صناعية ذات صلة، لنظام تشريعي أضعف.
وأرسلت شركة “سوميتومو” للصناعات الثقيلة مخططات لنماذج أولية لأسلحة قوة الدفاع الذاتي البرية اليابانية عن طريق الخطأ إلى شركات صينية، ولم تتلق الشركة إلا إنذارا بسبب انتهاك قانون التبادل الأجنبي والتجارة الخارجية.
وأوضح الباحثون أن الاختراق الأجنبي لا يتباطأ، فقد عانت اليابان في 2023 من هجوم قرصنة إلكتروني مدمر على يد مجموعة برامج فدية إلكترونية روسية، مما أدى إلى إغلاق أكبر موانئها، كما اخترق جيش التحرير الشعبي الصيني المركز القومي للاستعداد للحوادث واستراتيجية الأمن السيبراني المسؤول عن الإشراف على سياسات الأمن السيبراني اليابانية.
وتجسد عمليات الاستخبارات الأجنبية المستمرة في اليابان وغياب العواقب الوخيمة الحاجة الملحة للإصلاح وتشكيل بنية قانونية شاملة لحماية أسرار الدولة اليابانية. ويفاقم الأمور فضلا عن هذا، حقيقة محدودية التدريب على مكافحة التجسس والتدريب الأمني في المؤسسات اليابانية العامة والشركات الخاصة التي تتعامل مع أسرار الدولة.
ويقوض سجل إنجازات اليابان الضعيف في مواجهة للتهديدات الأمنية والاستخباراتية من موثوقيتها كحليف. ويمكن كشف الدوريات اليابانية الجوية والدوريات المضادة للغواصات وقدرات اعتراض الصواريخ فوق اليابان وفي جزر ريوكيو وترددات رادارات الصواريخ المضادة للسفن، ويمكن أن تنبه بدورها الصين لترقب عمليات أمريكية تجرى بالاشتراك مع اليابان.
وتحتاج اليابان إلى “قانون مكافحة تجسس” شامل مشابه للقوانين الموحدة في دول مجموعة السبع الأخرى لشن حملة صارمة بشكل ملائم ضد العملاء الأجانب، ولا بد من زيادة قدراتها في مكافحة التجسس. وكما أكد تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مؤخرا أنه إذا تم توسيع مشاركة طوكيو لتشمل شراكة “العيون الخمس” الاستخباراتية التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا، فإنه يتعين عليها أن تطمئن حلفاءها بأن ضم اليابان “لن يوسع نطاق المخاطر، عن طريق تطبيق إطار عمل قانوني أكثر حسما وإجراءات حماية أشد صرامة وبنية قوية لمكافحة التجسس”.
واختتم الباحثون الثلاثة تقريرهم بالقول إن اليابان تمثل بوضعها الحالي بابا خلفيا معرقلا ضد جهود الولايات المتحدة في حالة غزو الصين لتايوان. وسيكون تعزيز إمكانيات مكافحة الاستخبارات اليابانية مهما بالنسبة للتحالف الأمريكي الياباني وتطوير تعاون الحوار الأمني الرباعي. ولا تعد مواطن الضعف الاستخباراتية في اليابان مشكلة يابانية فحسب، بل إنها تقوض أمن الولايات المتحدة فضلا عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع نطاقا.