البشر يمضغون اللبان منذ قرابة عشرة آلاف عام
سان فرانسيسكو – (د ب أ):
منذ فترة تتراوح ما بين 9500 و9900 عام مضت، خرج ثلاثة شباب في اسكندنافيا يتسكعون ويمضغون العلكة أو اللبان بعد تناول الغداء، وبعد انقضاء عدة آلاف من السنين، عثر علماء حفريات على آثار من تلك العلكة بعد أن بصقها هؤلاء الشباب، واستطاعوا بعد تحليلها معرفة أنها تتكون في حقيقة الأمر من مادة تشبه القطران مستخلصة من لحاء بعض الأشجار المحلية، بل واستطاعوا معرفة نوعية الطعام التي تغذى عليها الثلاثة وهي “لحم ثعالب وغزلان وبعض المكسرات وثمار التفاح” كما عرفوا أنهم كانوا يعانون من مشكلات صحية تتعلق بالفم والأسنان، وذلك بحسب دراسة نشرتها الدورية العلمية Scientific Reports.
وتؤكد جنيفر ماثيوز الباحثة في علم الانسان (الأنثروبولوجيا) من جامعة ترينيتي بولاية تكساس الأمريكية أن الانسان عرف مضغ القطع المطاطية غير القابلة للهضم منذ فجر التاريخ، وأن هذه العادة انتشرت في مختلف الحضارات بشكل منفصل وعبر أزمنة مختلفة. وأضافت في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية أن أبناء حضارات المايا والأزتيك في امريكا الجنوبية كانوا يمضغون مادة صمغية تعرف باسم “التشيكل” مشتقة من سائل لبني يستخلص من أشجار التشيكو الاستوائية، وتوضح أن هذه المادة هي الأصل الذي ينحدر منه اللبان في شكله العصري الذي نعرفه اليوم.
وتوضح ماثيوز، وهي مؤلفة كتاب “التشيكل: العلك في الأمريكيتين من حضارات المايا القدماء إلى ويليام ريجلي” الذي صدر عام 2009 ويتناول تاريخ اللبان في العالم، أن أبناء حضارة الأزتيك كانوا يمضغون أيضا مادة تشبه القطران كثيرا ما كانت تجرفها الأمواج إلى شواطئهم. وكانت هذه العادة تلعب دورا رئيسيا في حضارتهم لدرجة أنهم وضعوا قواعد لمضغ اللبان، فقد كان يحظر على سبيل المثال على الجميع، باستثناء النساء كبيرات السن والأطفال، مضغ اللبان بشكل علني. وأضافت أن البشر في مناطق أخرى من العالم مثل اليونان القديمة صنعوا العلكة من أشجار المستكة، وصنع سكان أسيا الوسطى العلكة من مواد مستخلصة من أشجار البلوط. وترى ماثيوز أن الانسان استخدم “المواد المتاحة لديه في البيئة التي يعيش فيها في صنع اللبان” وتؤكد أن “العلكة ظهرت في كثير من الأزمنة في مختلف الأماكن”.
وتوضح ماثيوز أن العلكة كانت تستخدم في مختلف الحضارات الانسانية لتنظيف الأسنان وسد فجوات الضروس والحصول على رائحة نفس منعشة والتخلص من بقايا الطعام في الفم بعد الوجبات، وهي كلها فوائد صحية تؤكدها أبحاث جمعيات طب الأسنان حول العالم في العصر الحديث. وتشير إلى أن العلكة كانت تستخدم أحيانا لمقاومة الشعور بالجوع والعطش. وتؤكد بعض الدراسات الحديثة أن مضغ اللبان يقلل الشهية ويشجع على تناول كميات أقل من الطعام في الوجبة. وأفادت دراسات في علم النفس أن مضغ اللبان يحسن الأداء العقلي ويقوي الذاكرة ويعزز الانتباه. ووجدت دراسات أخرى أنه يقلل التوتر ويزيل القلق. وخلال الحرب العالمية الأولى، نجح ويليام ريجلي، وهو مؤسس مصنع للعلكة يحمل اسمه، في إقناع الجيش الامريكي بادراج اللبان ضمن الحصص الغذائية للجنود لمساعدتهم في تنظيف أسنانهم ومقاومة التوتر وتقليل شعورهم بالجوع، ثم انتقلت العلكة بعد ذلك إلى القطاع المدني وأصبحت من السلع الرئيسية حول العالم. وترى ماثيوز أن هذه الخطوة كانت “من الأسباب الفارقة وراء انتشار اللبان حول العالم، حيث أن مضغ العلكة بدأ في العصر الحديث كعادة أمريكية”.
ويذكر التاريخ أن إنتاج العلكة على نطاق صناعي واسع يعود للقرن التاسع عشر، عندما طلب الرئيس المكسيكي الاسبق “أنطونيو لوزبيز دي سانتا آنا” من المخترع الأمريكي توماس أدامز استغلال مهاراته لتحويل مادة مطاطية مستخلصة من أشجار التشيكو المكسيكية إلى خامة تنافس المطاط الذي ابتكره الكيميائي تشارلز جوديير الذي سميت باسمه شركة اطارات السيارات الشهيرة. وبعد عدة محاولات وتجارب باءت بالفشل، اتجه أدامز إلى استخدام هذه المادة في صناعة العلكة بدلا من المطاط، بل وأضاف إليها بعض النكهات وباعها لمتاجر الحلوى. وفي عام 1871، حصل أدامز على براءة اختراع ماكينة صناعة العلكة وقام بانتاجها تحت العلامة التجارية “بلاك جاك”.
ومع اتساع نطاق عادة مضغ اللبان حول العالم، أدى الطلب على مادة التشيكل إلى استنزاف اشجار التشيكو، لاسيما في ضوء بطء نمو هذه الاشجار وعدم انتشارها بشكل كاف، وكذلك مع صعوبة جني المحصول الذي يتطلب تقطيع الأشجار وجمع اللحاء واستخلاص المادة المطلوبة لصناعة اللبان. وهنا بدأ ريجلي البحث عن مصادر بديل لصنع العلكة دون أي يجد مادة …