محلل عسكري أمريكي: لا سلام في غزة عبر القوة العسكرية وحدها
واشنطن-(د ب أ):
رغم التصعيد العسكري المستمر في غزة، تظل الحقيقة ثابتة، وهي أن القوة وحدها لا تصنع سلاما دائما. فالتجربة تثبت أن الحلول الأمنية دون أفق سياسي تؤدي إلى مزيد من العنف والمعاناة، دون معالجة جذور الصراع.
هذا ما أكده المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت ، الذي يقدم استشارات دورية لمؤسسات حكومية ومنظمات خاصة في قضايا الجغرافيا السياسية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية .
ويضيف وايكيرت أن الجيش الإسرائيلي يُعد قوة قتالية أسطورية في الشرق الأوسط، إذ صمد في وجه حروب وجودية متعددة مع جيرانه العرب…غير أنه، ومنذ بدء رد إسرائيل على الهجمات التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه في دوامة لا تنتهي من الحرب الدموية وغير الحاسمة في قطاع غزة.
ويقول وايكيرت إنه في الحقيقة لا يعلم أحد كيف ستنتهي هذه الحرب. فالقادة الإسرائيليون يُصرّون على أنها ستنتهي بالقضاء التام على حركة حماس، ولكن ما المعايير التي تحدد تحقيق هذا الهدف؟ وإلى أي مدى تم فعلا إضعاف حماس؟.
ومع الأخبار الأخيرة التي تفيد بأن إسرائيل بصدد استدعاء 60 ألف جندي إضافي لنشرهم في غزة، وفي ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بـ”السيطرة” على القطاع، كيف يمكن أن يتوقع المرء انتهاء هذه الحرب في أي وقت من الأوقات؟ وتشير التقارير إلى أن هؤلاء الجنود سيقيمون نقاط تفتيش مزودة بتقنيات التعرف على الوجه لتحديد هوية جميع سكان غزة.
وبعد إدخال معلومات هؤلاء السكان في قاعدة بيانات ذات طابع رقابي صارم، سيسمح لهم بالحصول على المساعدات الإنسانية. ولكن سواء أرسلت إسرائيل 60 ألفا أو حتى 100 ألف جندي لاحتلال غزة بشكل دائم، فإن الاعتقاد بأنها ستنجح في إدارة هذه المنطقة مع القضاء الكامل على حماس هو أمر غير واقعي. فالجيش الإسرائيلي يعاني من الإرهاق أصلا، وتوغله في غزة لم يكن بالفعالية التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية غلى الملأ.
وبصرف النظر عن الموقف الأخلاقي من أفعال إسرائيل، فإن الوقائع من منظور استراتيجي واضحة، وهي أن حملة القصف الجوي المكثفة التي تشنها إسرائيل على غزة لا تحقق أهدافها.
وما يزيد الأمور سوءا هو أن هذا القصف المستمر بات يهدد المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة والعالم. فدول الجنوب العالمي بدأت تصطف ضد إسرائيل، مُتبنية، ولو شكليا، موقف إيران وحلفائها من الفصائل الموالية لها. وحتى الصين وروسيا، اللتان كانتا تقليديا تتخذان موقفا حياديا من إسرائيل، بدأتا تميلان إلى جانب إيران في هذا الصراع. أما تركيا، فبات من الواضح أنها تتحرك بجرأة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤيتها الخاصة.
وفي الفترة التي سبقت تحرك إسرائيل ضد حماس في غزة ردا على هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الحديث بين القادة العسكريين الإسرائيليين والخبراء الدفاعيين في العالم يدور حول حملة ميدانية من بيت إلى بيت تستهدف عناصر حماس، شبيهة بمعركة الفلوجة الثانية في عام 2004، حيث نجح مشاة البحرية الأمريكية في تحرير المدينة من تنظيم القاعدة في العراق، ليس فقط من خلال ملاحقة الجهاديين، بل أيضا عبر الحرص الشديد على حماية المدنيين.
وقبيل هجمات حماس ، أظهرت استطلاعات أن 67% من الفلسطينيين في غزة كانوا لا يثقون أو يثقون قليلا بحركة حماس، الحاكمة للقطاع. ولكن بعد الموجة الضخمة من الهجمات الإسرائيلية ضد حماس، أظهر استطلاع لاحق أن 70% من الفلسطينيين في غزة أصبحوا يدعمون الحركة.
ويتساءل وايكيرت: لماذا حدث هذا التحول؟ ويقول إن ذلك يعود إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية انهارت فور الاحتكاك الفعلي مع حماس على الأرض، كما يحدث غالبا في خطط الحروب.
وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن الطابع “الدقيق” لضربات إسرائيل الجوية، فإن الواقع أن غزة باتت مدمرة بشكل شبه كامل. أما سمعة إسرائيل على الساحة الدولية فقد تدهورت بشدة، وباتت تواجه خطر أن تصبح دولة منبوذة في نظر كثيرين ممن يرون أن هدفها هو “تطهير غزة عرقيا”.
ويقول وايكيرت إن دولة كان يفترض أن تحظى بتعاطف العالم بعد “هجوم إرهابي مروع وغير مبرر”، أصبحت اليوم مهددة بأن تواجه كراهية العالم المستمرة.
ولم يكن ينبغي أن يكون الوضع كذلك. ويرجع جزء من سبب وجود هذا الوضع الآن إلى فشل سياسات الحرب الإسرائيلية .
ويضيف وايكيرت أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية المُعلنة. فمنذ الأيام الأولى للحرب، أوضحت القيادة الإسرائيلية أن هدفها هو تدمير حركة حماس واستعادة الرهائن. وبالرغم من أن حماس قد تعرضت لأضرار جسيمة، وربما لدمار كبير، ألحقت الأساليب التي استخدمتها إسرائيل على الأرجح ضررا بأي تصور كان لدى قادتها حول نهاية الحرب. والأسوأ من ذلك، أن الرهائن لم يتم إعادتهم جميعا حتى الآن.
ومع ذلك، تواصل إسرائيل القصف كما لو أن كل شيء يجري في فراغ.
وقد واجهت إسرائيل ما تعانيه كل الجيوش الغربية الحديثة، حيث بات أسلوب الحرب الذي اعتادت عليه الدول الغربية في حاجة ماسة إلى إعادة نظر. وسواء كان ذلك في عجز إسرائيل عن تنفيذ حملة على غرار الفلوجة، أو فشل الولايات المتحدة في القضاء على الحوثيين من الجو.
ومن الواضح أن الجيوش الغربية كلها في دوامة. فهي عالقة في نمط قتال يعود إلى حروب القرن العشرين. أما أعداء الغرب فقد تكيفوا مع ذلك النمط القديم من القتال، وبدأوا بتجميع مواردهم بطرق تعجز مراكز التخطيط في أمريكا وإسرائيل عن فهمها .
ويرى وايكيرت أن معظم حروب مكافحة التمرد تنتهي بتسويات تفاوضية. لكن كل المؤشرات تدل على أن حماس، بصفتها جماعة جهادية مسلحة، لا تنوي التفاوض على إنهاء دائم للحرب. لذا، فالمفاوضات لن تنجح. وكذلك الحال مع الحملات الجوية المفتوحة فوق أنقاض غزة. ولن تنجح أيضا سياسة احتلال طويل الأمد للقطاع.
ربما يكون إنشاء خط دفاعي يفصل إسرائيل عن غزة هو الخطوة الأولى نحو تأمين دفاع فعلي. وستحتاج إسرائيل إلى اتخاذ خطوات إضافية.
لكن الأمر المؤكد هو أن غزو غزة واحتلالها وترهيب سكانها الفلسطينيين المدمَّرين لن يجلب لإسرائيل لا السلام ولا الأمن على المدى الطويل. وعلى إسرائيل أن تضع استراتيجية جديدة، وفقا لما قاله وايكيرت.