القمة الثقافية بأبوظبي تؤكد دورها الريادي في تعزيز الإنسانية والابتكار والتعاون العالمي
أبوظبي – الوحدة:
اختتمت القمة الثقافية أبوظبي، التي نظمتها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، فعاليات نسختها السابعة التي عُقدت تحت شعار “الثقافة لأجل الإنسانية وما بعد”، وتم خلالها تبادل الرؤى حول الدور المتطور للثقافة في تشكيل مستقبل البشرية، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الفن والثقافة، ودور الذكاء الاصطناعي والتقنيات التكنولوجية الحديثة في تشكيل مجال جديد للتعبير الثقافي يتجاوز الحدود التقليدية، وعلى مدار أيامها الثلاثة تضمنت القمة جلسات وندوات حوارية، وورش عمل، والعديد من دراسات الحالة المختلفة والتي شهدت مشاركة واسعة من رواد القطاع الثقافي والتكنولوجي من مختلف دول العالم.
ومن خلال شعار هذا العام “الثقافة لأجل الإنسانية وما بعد”، استكشفت القمة العلاقة الحيوية التي تربط بين الثقافة بمفهومها الشامل والإنسانية وجوداً وقيماً، خلال فترة من التحولات العالمية. ومع إعادة تعريف التقدم التكنولوجي لحدود التجربة الإنسانية، دعت القمة إلى إعادة التفكير بشكل جماعي في مفاهيم الإنسانية والقيم المشتركة اللازمة لبناء مستقبل مستدام. وبعد يومين ناجحين، خُصص اليوم الأخير لاستكشاف حلول مبتكرة من شأنها إعادة تعريف أطر عمل جديدة لقطاع الثقافة والإنسانية على نطاق أوسع.
وخلا القمة، شدد معالي الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة، على الدور المحوري للثقافة في تشكيل الإبداع، والحفاظ على التراث، ودفع عجلة الابتكار. وسلط الضوء على دور الثقافة في ربط الماضي بالحاضر، مما يُمهد الطريق أما إرساء الأسس المتينة للأجيال القادمة، ويدعم التنمية المستدامة في عالم يشهد تطورًا رقميًا مستمرًا.
وفي كلمته الختامية، قال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: ” الثقافة تكمن دائما في جوهر وصميم رؤية دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، فهي تُحفّز التعبير الإبداعي، والتنمية الاجتماعية، ورفاهية العيش، والنمو الاقتصادي. كما أن التزامنا لا يقتصر على الحفاظ على تراثنا فحسب، بل نعمل بفعالية على تطوير منظومة تُلهم فيها الثقافة مجتمعاتنا، وتعزز ترابطها، وتُمكّنها، جنبًا إلى جنب مع تعزيز هويتنا الثقافية.”
وأضاف معاليه: “نحن نعيش في عصرٍ يشهد تحولاً تكنولوجياً جذرياً، ونلتزم بتسخير هذا الأمر لما فيه الخير ويعود بالنفع على الجميع. وبينما ترسخ أبوظبي مكانتها كمركز ثقافي رائد، فإننا نسعى للاستفادة من القدرات التي توفرها التكنولوجيا لإثراء المنظومة الإبداعية والثقافية وفتح آفاقٍ جديدة للشباب. وبينما نواصل استكشاف العلاقة التكافلية بين الثقافة والإنسانية، قدمت القمة الثقافية 2025 فرصةً لمناقشة كيف يُمكن للتطورات التكنولوجية أن تُلهم الجيل القادم للتواصل مع المنظومة الثقافية العالمية النابضة بالحياة وتشكيلها.”
وخلال الجلسة الختامية، تطرق المتحدثون إلى روح التعاون والشغف والطاقة الفريدة التي ميّزت القمة. وكان هناك تركيز قوي على قوة الموسيقى والفن والثقافة في جمع الناس معًا وإحداث تأثير هادف. وتحدث الكثيرون عن الحوارات الملهمة حول الذكاء الاصطناعي – مخاطره، وقدرته على تعزيز الإبداع عند استرشاده بالأخلاق والقيم المشتركة. كما تم تسليط الضوء على التواصل المباشر باعتباره لا غنى عنه في تعزيز التفاهم ودفع عجلة التحولات الثقافية والسياسات العامة. وبرز المجتمع كموضوع متكرر، سواء من خلال سرد القصص، أو تبادل المعرفة بين الأجيال، أو التبادل الثقافي. كما تطرق المتحدثون إلى أهمية الحفاظ على الهوية مع تبني التقنيات الجديدة، ووضع سياسات تُعطي الأولوية للمبدعين، وأصوات الشباب، واللغات المتنوعة. وكانت فكرة أن الثقافة، مثل التجارة، تزدهر من خلال الانفتاح، على الرغم من المخاطر، تشبيهًا قويًا.
وبشكل عام، أكدت الرسائل الختامية على ضرورة حماية الثقافة، ليس فقط من خلال الحفاظ عليها، ولكن من خلال التطور الهادف، مع الاسترشاد بالتعاطف والشمول والالتزام بالأجيال القادمة.
وبهدف مشترك يتمثل في صياغة مستقبل تعليم الفنون، عُقد حوار وزاري في اليوم الأخير. وشهد الحوارُ تأكيدَ المتحدثين على الحاجةِ المُلِحّةِ إلى تعزيزِ الثقافةِ والهويةِ في التعليم، مُشيرين إلى أنَّ شبابَ اليومَ يتطلَّعونَ إلى الانخراطِ في القضايا العالمية، ولكن غالبًا ما يفتقرون إلى فهمٍ واضحٍ للهويةِ الثقافيةِ أو معناها. وسلّطوا الضوءَ على إطارِ عملِ اليونسكو كخارطةِ طريقٍ لمساعدةِ الدولِ على بناءِ رؤيةٍ إنسانيةٍ مشتركةٍ للتعليم، تُركِّزُ على المواطنةِ العالميةِ والتنوعِ الثقافي.
وشهد اليوم الأخير أيضًا بروز مواضيع رئيسية تتعلق بدور الفنانين كرواة قصص ومبتكرين، والموسيقى، وخاصةً موسيقى الجاز، التي تتناول التغيرات العالمية وتعزز التفاهم بين الثقافات. وقادت ريتا ويلسون، كاتبة الأغاني والممثلة والمغنية والمنتجة، حلقة نقاش موسيقية حيوية حول كتابة الأغاني وارتباطها بسرد القصص، ناقلةً القصص العاطفية والتعاونية التي تُشكل الموسيقى التي يعشقها الجميع – من خلال الموسيقى. وتحدث هيربي هانكوك، موسيقي الجاز الرائد وسفير اليونسكو للنوايا الحسنة، عن مسيرته الممتدة لستة عقود في الابتكار الموسيقي، وقوة موسيقى الجاز كقوة للتواصل الثقافي، والدور المتطور للفنانين في مستقبل مترابط تقوده التكنولوجيا.
وسلطت دراسة حالة بارزة أشرفت عليها جوستين سيمونز، نائب عمدة لندن للثقافة والصناعات الإبداعية، مؤسس ورئيس منتدى ثقافة المدن العالمية، الضوء على كيفية إنشاء إيست بانك – أكبر منطقة ثقافية وتعليمية في المدينة منذ أكثر من 150 عامًا. وأكدت سيمونز على أهمية العلاقات القائمة على الثقة والتعاون والتواصل الإنساني. كما سلطت الضوء على أهمية المساحات مثل القمة الثقافية أبوظبي لتعزيز نوع التعاون الذي جعل إيست بانك ممكنًا.
كما تم عقد سلسلة من المحادثات الإبداعية الملهمة، حيث استكشف رفيق أناضول ورالف نوتا كيف يمكن للفن والبيانات والخيال أن يساهما في بناء روابط جديدة بين التكنولوجيا والطبيعة والوعي الجماعي. فيما ناقش كل من مايا هوفمان وهاشم سركيس التعاون متعدد التخصصات والابتكار الثقافي من أجل مستقبل أكثر استدامة. واستعرضت كولين أتوود، مصممة الأزياء الحائزة على جائزة الأوسكار أربع مرات، مسيرتها المهنية المميزة التي امتدت لأربعة عقود، وفن سرد القصص المتطور من خلال الأزياء.
وطوال أيام القمة الثلاثة، استمتع الحضور بعروض التراث التقليدية، منها عرض “العيالة”، و”الرواح”. واختتمت القمة بأداء موسيقي قدمه عازف البيانو الشهير جيسوس مولينا، إلى جانب عازف الجيتار روك تشوي، وعازف الباس أليكس بوليدوروف، وعازف الطبول كين دانيال، حيث جمعوا خلاله بين أنغام موسيقى الجاز والتأثيرات اللاتينية والشرقية بأسلوب مستوحى من أساطير مثل أوسكار بيترسون وبيل إيفانز، ليكون ختامًا لا ينسى لثلاثة أيام مُلهمة.
وأُقيمت القمة الثقافية أبوظبي خلال الفترة من 27 إلى 29 أبريل 2025، وهي منتدى عالمي سنوي، يجمع قادةً عالميين من قطاعات الصناعة الثقافية والإبداعية، لاستكشاف السّبل التي يُمكن للثقافة من خلالها تحويل وتغيير المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
وبتنظيم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، تتضمن قائمة أبرز شركاء القمة، منظمة اليونسكو، وإيكونوميست إمباكت، ومتحف التصميم، وجوجل، متحف ومؤسسة سولومون آر جوجنهايم، وأكاديمية التسجيل. وتضم قائمة الشركاء أيضًا، الاتحاد الدولي لمجالس الفنون والوكالات الثقافية، ونادي مدريد، والمعهد الفرنسي، ومعهد العالم العربي، ومعهد دول الخليج العربية في واشنطن، وتيم لاب، ومعهد هيربي هانكوك للجاز.
وتعكس القمة التزام دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بتعزيز وترقية الإبداع والابتكار بهدف بناء مستقبلٍ ثقافي عالمي أكثر شمولاً واستدامة.