أبوظبي – الوحدة:
استضاف مركز تريندز للبحوث والاستشارات ندوة بعنوان “التعاون بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل مبادرة الأمن العالمي”، بالتعاون مع مركز الصين لأوروبا وأفريقيا التابع للمجموعة الصينية للإعلام الدولي ودار النشر للغات الأجنبية، وشهدت حضوراً رفيع المستوى من دبلوماسيين ومفكرين وباحثين من المنطقة والصين.
إثراء النقاش
افتتح أعمال الندوة الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، بكلمة ترحيبية أكد فيها أهمية هذا اللقاء أعرب فيها عن شكره للشركاء في مجموعة الصين للإعلام الدولي على حرصهم على تعزيز التعاون المشترك مع “تريندز”، مشيراً إلى أن هذه الشراكة تأتي في صميم رؤية “تريندز” البحثية العالمية التي تسعى لأن تكون جسراً للحوار المعرفي البنّاء بين مختلف الثقافات والمدارس البحثية.
واستعرض الدكتور العلي مبادرة الأمن العالمي التي قدمتها الصين ، مؤكداً مبادئها الأساسية التي تهدف إلى ضمان الأمن وتعزيز السلام العالمي، وعلى رأسها تحقيق الأمن المشترك، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة الدول، وحل النزاعات سلمياً. وأشار إلى أن هذه المبادئ تتلاقى مع التصورات الاستراتيجية لدول المنطقة نحو نظام دولي تعددي يقوم على الأمن المستدام واحترام السيادة وتسوية المنازعات بالطرق السلمية. وشدّد على حاجة منطقة الشرق الأوسط إلى روح هذه المبادرة من أجل تسوية الأزمات ومحاربة الإرهاب ومواجهة التحديات المناخية والسيبرانية. كما لفت إلى أن العلاقات الاقتصادية المتينة، وانضمام العديد من دول المنطقة إلى مبادرة الحزام والطريق، يُسهّل سبل التعاون في إطار مبادرة الأمن العالمي. واختتم كلمته معرباً عن أمله في أن تُسهم هذه الفعالية في إثراء النقاش حول دعم آفاق التعاون المستقبلي بين الصين والمنطقة.
روح التضامن
بعد الكلمة الترحيبية، ألقى سعادة تشانغ ييمينغ، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، كلمة رئيسية استهلها بالإعراب عن سعادته باللقاء في مركز “تريندز” لمناقشة هذا الموضوع الحيوي. وأشار إلى أن العالم يشهد تغيرات غير مسبوقة وتحديات أمنية متزايدة، مما يجعل التركيز على تطبيق مبادرة الأمن العالمي في الشرق الأوسط وتعزيز التعاون بين الصين والمنطقة ذا أهمية بالغة.
واستعرض سعادة السفير المبادرة التي طرحها الرئيس شي جين بينغ في منتدى بواو الآسيوي عام 2022، والتي تدعو إلى التكيّف مع المشهد الدولي المتغير بروح التضامن ومواجهة التحديات بعقلية الربح المشترك. وأكد أن المبادرة ترسّخت في الشرق الأوسط وساهمت في معالجة المعضلات، وأشار سعادة السفير إلى أن الصين ودول الشرق الأوسط دخلت، تحت مظلة مبادرة الأمن العالمي، أفضل فترة تاريخية في علاقاتهما، وشهد التعاون في مختلف المجالات نقاطاً بارزة. وأوضح أن الصين أقامت علاقات شراكة استراتيجية شاملة أو شراكة استراتيجية مع 14 دولة عربية وجامعة الدول العربية، وأن الجانبين نفّذا أكثر من 200 مشروع تعاون كبير في إطار مبادرة الحزام والطريق. كما أشار إلى الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين، والإعلان عن عقد القمة الصينية العربية الثانية في الصين العام المقبل، مما يحدد مسار العلاقات في العصر الجديد.
نقطة ارتكاز
تلا ذلك كلمة السيد ليو دا وي، نائب رئيس المجموعة الصينية للإعلام الدولي، التي قدمها نيابة عنه السيد لي ونشيو، نائب مدير مركز أوروبا وأفريقيا للمجموعة. استعرضت الكلمة الأطر النظرية والعملية التي تؤسّس للتقارب الصيني–العربي في قضايا الأمن والتنمية، مشيرة إلى الخلفية التاريخية التي تربط الصين بالمنطقة العربية عبر طريق الحرير القديم ومبادرة الحزام والطريق الحديثة. وأبرزت أن الإمارات تُشكّل نقطة ارتكاز أساسية في هذا المسار بصفتها أكبر شريك تجاري للصين في العالم العربي، وإحدى أكثر دول العالم أمناً.
وعرضت الكلمة مبادرة “الأمن العالمي” كنموذج جديد لفهم العلاقات الدولية، يقوم على احترام السيادة، ونبذ الهيمنة، وتسوية النزاعات بالحوار.
استجابة
وقد أدار الجلسة السيد لي ونشيو، نائب مدير مركز أوروبا وأفريقيا لمجموعة الصين للإعلام الدولي، الذي قدّم عرضاً موجزاً عن مبادرة الأمن العالمي وأهدافها ومبادئها الأساسية، موضحاً أن المبادرة تُعد جزءاً من ثلاثية استراتيجية للصين تشمل أيضاً مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، وكلها تأتي في إطار رؤية شاملة لنظام عالمي جديد قائم على التعددية والتوازن والانفتاح. كما استعرض السيد لي ونشيو الركائز المشتركة بين توجهات دولة الإمارات ومبادرة الأمن العالمي، وأن هذا التقاطع يعزّز فرص التعاون الثنائي والإقليمي لتحقيق الأمن والاستقرار.
وتضمّن برنامج الندوة كلمات لعدد من المتحدثين البارزين الذين قدّموا رؤى معمقة حول جوانب مختلفة من التعاون بين الصين والمنطقة في ظل مبادرة الأمن العالمي.
البعد الثقافي والحضاري
قدّم البروفيسور تشاي شاوچين، من كلية اللغات والثقافات الاجتماعية بجامعة شنغهاي، ورقة بحثية تناولت البعد الثقافي والحضاري في مبادرة الأمن العالمي، مشدداً على أهمية الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم المتبادل كأساس لتحقيق الأمن المستدام. وأشار إلى أن المبادرة تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الثقافي وتبادل الخبرات بين الصين ودول الشرق الأوسط، لافتاً إلى التاريخ الطويل من التبادلات الثقافية والمعرفية بين الجانبين.
دور الترجمة
كما ألقت السيدة جيانغ لي لي، مدير قسم اللغة الفرنسية في دار النشر باللغات الأجنبية، كلمة حول دور الترجمة في إطار مبادرة الأمن العالمي. وأكدت أن الترجمة تُعد جسراً بين الحضارات وتتحمل مهمة تعزيز الفهم الدولي وخدمة الحوكمة العالمية. واستعرضت المحاور الرئيسية لعمل دار النشر في هذا المجال، والتي تشمل الالتزام بمبادئ الأمانة والدقة في الترجمة، وتعزيز الحوار بين الحضارات، وتطبيق استراتيجيات تواصل متنوعة، والتركيز على تفادي سوء الفهم الناتج عن الفروقات الثقافية. ودعت إلى مواصلة الالتزام بالاحتراف والابتكار في عمل المترجمين للمساهمة في بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
نموذج يُحتذى
من جانبها، تناولت الباحثة سارة النيادي، من تريندز للبحوث والاستشارات، بشكل خاص العلاقات الصينية الإماراتية، مشيرة إلى أنها تمثّل نموذجاً يُحتذى به في التعاون الاستراتيجي الشامل. وأوضحت أن الشراكة بين البلدين تشهد نمواً متسارعاً في مختلف القطاعات، بدءاً من الطاقة والتجارة وصولاً إلى الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة والفضاء. وأكدت أن دولة الإمارات تُعد شريكاً رئيسياً في مبادرة الحزام والطريق، وأن التوافق في الرؤى بين البلدين حول أهمية الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة يُعزّز من فرص التعاون المشترك في إطار مبادرة الأمن العالمي، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين ويُسهم في تعزيز الأمن والسلم على المستوى الدولي.
الحوار
بدوره، قدّم البروفيسور يي باي غوي، من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين ونائب رئيس اتحاد الأدب والفنون في بكين، ملخصاً لكلمته التي أكد فيها أن فهم الأمن العالمي يتطلب تجاوز التفسيرات الضيقة نحو رؤية أشمل تضع الحوار الحضاري في صميم أي مشروع للسلام. ورأى أن مبادرة الأمن العالمي تمثل محاولة جادة لتجاوز منطق الحرب الباردة من خلال مبادئ الشمولية والتكامل والتعاون والاستدامة، مما يفتح المجال لتوسيع الحوار الثقافي. وأبرز الامتداد التاريخي للعلاقات الصينية–العربية، وأشار إلى الدور الفريد الذي تلعبه الفنون في تقريب الشعوب. واختتم كلمته بثلاث توصيات لتعزيز التعاون الحضاري بين الصين والعالم العربي تشمل تشجيع البحوث المقارنة، ودعم جيل جديد من الشباب المثقف، والتركيز على التبادل في مجالات الحياة اليومية.
دعم التنمية
كما شاركت السيدة تساي لي لي، مديرة قسم التحرير السياسي بدار النشر باللغات الأجنبية، بكلمة تناولت الإطار الحضاري والثقافي لمبادرة الأمن العالمي، مؤكدة أنها تمثّل مساراً استراتيجياً صينياً يهدف إلى دعم السلام والتنمية وبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية. وركّزت على أهمية الترجمة والنشر في تعزيز التفاهم بين الحضارات، وعرضت دور دار النشر في تقديم الفكر الصيني إلى العالم، مشيرة إلى ترجمة كتاب “شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة” إلى 42 لغة. كما أبرزت استخدام الرئيس شي جين بينغ للأمثال العربية في خطبه كمؤشر على التقارب الثقافي. ودعت إلى تعميق التعاون في مجالات النشر والترجمة والتبادل الثقافي.
الفهم المتبادل
وقدمت السيدة جينغ لي لي، مدير قسم اللغة العربية بدار النشر باللغات الأجنبية، ملخصاً لكلمتها التي تناولت أيضاً دور الترجمة في إطار مبادرة الأمن العالمي، مؤكدة أهمية الأمانة والدقة في نقل المفاهيم السياسية والثقافية، ومراعاة التقاليد والثقافة اللغوية المستهدفة. وشددت على دور الترجمة في تعزيز الحوار بين الحضارات وتعميم الفهم المتبادل، من خلال بناء نموذج ترجمة ثقافية يحترم خصوصية المفاهيم ويبحث عن نقاط التلاقي. كما أشارت إلى استراتيجيات التواصل المتنوعة وآليات المراجعة لضمان جودة الترجمة وتفادي سوء الفهم الناتج عن الفروقات الثقافية.
عمق التجربة
بدوره، أكد الدكتور أحمد السعيد، الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للثقافة، أن العالم العربي ينظر إلى مفهوم الأمن من عمق التجربة، كونه منطقة عانت من الاضطرابات والصراعات. ورحب بمبادرة الأمن العالمي التي لا تقوم على الإقصاء، بل على الشراكة والاحترام. ورأى أن المبادرة تمثّل تحولاً في فلسفة الأمن من أمن الدولة إلى أمن الإنسان، ومن أمن السيطرة إلى أمن التفاهم. وأشار إلى الدور المحوري للرئيس شي جين بينغ في إعادة صياغة الخطاب العالمي حول الأمن والتنمية، من خلال رؤية تقوم على الإنصاف والتوازن وفكرة “مجتمع المصير المشترك للبشرية”.
وأوضح الدكتور السعيد دور مجموعة بيت الحكمة للثقافة في أن تكون جسراً حياً بين الصين والعالم العربي من خلال التعاون مع المجموعة الصينية للإعلام الدولي ونشر أعمال صينية محورية باللغة العربية. كما أشار إلى مشاركة المجموعة في مبادرة المكتب الافتراضي لمركز تريندز في بكين لتسهيل الترجمة والنشر المشترك.
فرصة
وفي مداخلة لها، ألقت الباحثة شما القطبة، من تريندز للبحوث والاستشارات، الضوء على العلاقات الصينية–العربية من منظور إقليمي، مؤكدة أن هذه العلاقات تشهد تطوراً نوعياً يتجاوز البعد الاقتصادي ليشمل التعاون في مجالات الأمن والتكنولوجيا والثقافة. وأشارت إلى أن مبادرة الأمن العالمي تمثّل فرصة لتعزيز هذا التعاون، وترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما يتماشى مع تطلعات دول المنطقة نحو بناء نظام إقليمي أكثر استقراراً وازدهاراً. كما أكدت أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة، نظراً لموقعها الاستراتيجي وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى الدولية، في تسهيل الحوار وتعزيز التفاهم بين الصين والدول العربية.