أبوظبي – الوحدة:
نظَّمت كلية الإمارات للتطوير التربوي والمعهد الوطني للتعليم في سنغافورة، بدعم من سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، ندوة بعنوان «إعادة تصوُّر مستقبل التعليم والتعلُّم في عصر الذكاء الاصطناعي: ازدهار إنساني قائم على القيم» في خطوة تؤكِّد آفاق التعاون الاستراتيجي بين دولة الإمارات وجمهورية سنغافورة في مجال مستقبل التعليم.
واستقطبت الندوة، التي عُقِدَت في سنغافورة، كبار صانعي القرار والقادة الأكاديميين والباحثين، لاستكشاف الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في التعليم، وتناولت أهمَّ المسائل المُلِحَّة التي تُشكِّل مستقبل التعلُّم، بدءاً من إعادة تعريف دور التربويين في عصر الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى تصميم أنظمة قائمة على القِيم، وداعمة لنمو الطالب ما يعزز الشمولية والأخلاقيات إضافة إلى كفاءة الكوادر التربوية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وألقى سعادة جمال عبدالله السويدي سفير دولة الإمارات لدى جمهورية سنغافورة، الكلمة الرئيسية وسلط خلالها الضوء على العلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين الصديقين، ومجالات التعاون في قطاعات مختلفة ومنها قطاع التعليم وشراكاته الاستراتيجية.
وقال سعادته: «قبل بضعة أسابيع فقط، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أنه اعتباراً من العام الدراسي المقبل، ستُدرج مادة الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم في المدارس الحكومية في دولتنا. وتُجسّد هذه الرؤية التزام قيادتنا بالاستعداد للمستقبل وتنمية رأس المال البشري».
وأشار إلى أن الهدف في دولة الإمارات لا يقتصر على تبني أدوات جديدة، بل يشمل إعادة التفكير في أساس التعليم ذاته. وقال سعادته: «يوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً قوية لتخصيص التعلّم، ودعم المعلمين، وتوسيع نطاق الوصول إلى التعليم. وفي الوقت ذاته، يطرح أسئلة معقدة تتعلق بالأخلاقيات، وخصوصية البيانات، والصحة الرقمية. وهذه ليست تحديات يمكن لدولة واحدة معالجتها بمفردها، بل تتطلب تعاوناً عالمياً. وهنا تتجلّى أهمية الشراكة بين دولة الإمارات وسنغافورة، وتبرز أهمية التعاون الدولي في رسم ملامح مستقبل التعليم».
ولفتت الدكتورة مي ليث الطائي، مدير كلية الإمارات للتطوير التربوي، إلى أهمية الندوة في دعم رسالة الكلية بوصفها جسراً يربط بين السياسات والبحوث والابتكارات التعليمية. وقالت: «تعكس هذه الندوة التزاماً مشتركاً بصياغة أنظمة تعليمية متطوِّرة تقنياً وذات بُعد إنساني كبير. وتؤمن كلية الإمارات للتطوير التربوي بأنَّ التعاون الاستراتيجي العالمي ضروري لإحداث تغيير هادف وقابل للتطوير المستمر، وشراكتنا مع المعهد الوطني للتعليم مثال قوي على ما يمكن تحقيقه عندما تتوافق القِيم والرؤية».
وأكدت الطائي أهمية التوجه الاستراتيجي الذي توليه دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وسلطت الضوء على ضرورة مواكبة المتغيرات العالمية في هذا المجال وتسخيره لتطوير الكوادر التربوية في الدولة.
وعُقدت ضمن فعاليات الندوة جلسة حوارية جمعت نخبة من التربويين والأكاديميين والخبراء، منهم البروفيسورة لو إي لينغ، عميد الشؤون الأكاديمية وشؤون أعضاء هيئة التدريس ومسؤول كرسي الرئيس للتعليم لدى المعهد الوطني للتعليم، والدكتور سينغ تشي تان، الأستاذ المشارك في مجموعة علوم التعلم والتقييم الأكاديمية لدى المعهد، والبروفيسور ديفيد بيدر، نائب المدير للشؤون الأكاديمية لدى كلية الإمارات للتطوير التربوي، والبروفيسور شالجان أريباتامانيل، مدير البحوث وتحليلات البيانات والسياسات والقيادة لدى كلية الإمارات للتطوير التربوي.
وقالت البروفيسورة لو: «بينما يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً في التعليم، تبقى برامج إعداد المعلمين مرتكزة على العناصر الجوهرية. نحن نتمسك بالقيم، ونضع الطالب في المركز، ونعتمد على الأدلة، ونركز على المستقبل، وهي مبادئ توجّه المعلمين لقيادة العملية التعليمية بشغف وهدف واحترافية. صحيح أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين طرق التدريس، لكنه لا يحل محل الصلة الإنسانية التي تُشكّل جوهر التعليم المتميّز. هذه الركائز الراسخة تضمن أن إعداد المعلمين، رغم تطور الذكاء الاصطناعي، سيستمر في تشكيل تربويين متمكنين ومستعدين وقادرين على التألق في مستقبل غير متوقّع».
وتناول الدكتور سينغ كيفية إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي لأسس علم أصول التدريس، ودعا إلى تصميمات تعليمية تحافظ على البصيرة والإبداع الإنسانيين. وأشار إلى أنَّ بروز الذكاء الاصطناعي يدفعنا إلى إعادة التفكير في طريقة التدريس والتعلُّم. وقال: «باستخدام إطار التعلُّم من الذكاء الاصطناعي، ومعه وعنه وما بعده، تتأكَّد قدرته على إعادة تشكيل التعليم، لكن يجب أن توجِّه المبادئ التربوية الراسخة مسيرتنا، وينبغي تطبيق اعتبارات التصميم الشامل. وخصوصاً ما يتعلَّق بالتعلُّم مع الذكاء الاصطناعي، يجب علينا تطوير مناهج صالحة لكلِّ زمن، تنطلق من الفاعلية الإنسانية والبصيرة والتفاعل الهادف وقدرة توليد المعرفة».
وتمحورت كلمة البروفيسور ديفيد بيدر حول الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي ودورها في إحداث تأثير فعلي في تعزيز عملية التعلّم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي الضروري للتعليم. وقال: «إن للذكاء الاصطناعي قدرة هائلة على تعزيز التفكير، وتشجيع الحوار، وتوسيع نطاق الوصول، وإلهام الإبداع والفضول، وهذا التوجه ينعكس في الإطار الوطني للكفاءات الذي طورته كلية الإمارات للتطوير التربوي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات».
وأضاف: «دمج الذكاء الاصطناعي كعنصر محوري مشترك في البرامج الأكاديمية، يضمن تفاعل المعلمين المستقبليين مع التقنيات الناشئة بطريقة واعية وأخلاقية. وتُعد هذه الاستراتيجية خطوة مهمة نحو إعداد المعلمين لتهيئة بيئات تعليمية شاملة ومتمحورة حول المتعلم، ومؤهلة للتعامل مع التحديات المتسارعة في المشهد التعليمي المتطور».
وبيَّن البروفيسور أريباتامانيل كيف تستخدم نماذج اللغة الطبيعية والاستشرافية لتتبُّع تفاعل الطلاب وإنجازاتهم وسلامتهم فورياً، لدعم اتخاذ قرارات مستنيرة عن التدخُّلات والميزانيات والمناهج الدراسية. وتناول «أهمية ضمانات المساواة، مثل عمليات تدقيق التحيُّز والخصوصية والشفافية»، مؤكِّداً ضرورة تقييم مستمر للتأثير يدعم القرارات البشرية والقيم الشاملة في النُّظم التعليمية.
واختتمت الجلسة بكلمة للبروفيسورة وون شيا ني، رئيس المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة، أكدت خلالها عمق الشراكة الاستراتيجية مع دولة الإمارات في مجال التعليم، ودور هذا التعاون في دعم التوجهات العالمية نحو منظومة تعليمية رشيقة، مدعومة بالابتكار والذكاء الاصطناعي، وأكثر شمولية ودمجاً، مما يتطلب تقديم المزيد من العمل الجماعي لوضع السياسات وتصميم الاستراتيجيات التي تواكب الاحتياجات التعليمية في عصر يتطور سريعاً جداً.
وجاءت الفعالية في أعقاب اتفاقية استراتيجية بين كلية الإمارات للتطوير التربوي والمعهد الوطني للتعليم في العام الماضي، ضمن المرحلة الثانية من الإطار الاستراتيجي للتميُّز التربوي الذي أطلقته كلية الإمارات للتطوير التربوي، والذي يهدف إلى النهوض بقطاع التعليم في دولة الإمارات عبر إعداد التربويين كقادة عالميين، مرتكزين على القيم الإماراتية والأولويات التعليمية المتميِّزة للدولة. وعن طريق البرامج النوعية والبحوث المبتكرة والشراكات الاستراتيجية، يركِّز الإطار على إعداد تربويين جاهزين للمستقبل وقادرين على تطبيق أساليب تدريسية استشرافية، والمساهمة في المعايير التعليمية المحلية والدولية.