رحلتك إلى نصفك الآخر
بقلم / د. ولاء قاسم
عبارة “الزواج قسمة ونصيب” تمثل مغالطةً رفضها العلم وتجاوزها الزمن، حيث تم إدخال العديد من الأسس العلمية لدراسة التوافق بين الأزواج المحتملين. تعتمد هذه الأسس على مقاييس نفسية واجتماعية لفهم ديناميكيات العلاقات، مما يعزز الشراكة بين الأزواج ويسهم في نجاح الزيجات مستقبلًا.
الزواج في جوهره هو خيار شخصي مستند إلى معتقدات ذاتية. وقد آن الأوان لندرك أن كل تعثر في الحياة نطلق عليه قدرًا أو نصيبًا ليس سوى نتاج لمعتقداتنا، وعُقدنا، ومخاوفنا، وفجواتنا النفسية. ذلك التوجه لإضفاء سمة القدرية على الأحداث ليس سوى ميول نفسية تعكس التهرب من تحمل مسؤولية الواقع والعجز عن إدارة الحياة، مما يعوق النمو الذاتي للأفراد.
لا ننكر أن اختيار شريك الحياة قد يمثل معضلة لكثير من الأشخاص الذين يقفون عند عتبة الزواج، حائرين ومتشككين في صحة قرارهم، لأن الفشل فيه قد يكلفهم ثمنًا باهظًا. لذلك، لا بد من تثقيف النفس حول العلاقات وسلوكيات البشر، خصوصًا خلال فترة التعارف، مما يساعد على استكشاف توافقك مع الشريك المحتمل. خلال هذه المرحلة، ستبرز مشكلات تتطلب حوارات صريحة لفهمها ودراسة أبعادها، مما يعد أساسًا لأي علاقة إنسانية ناضجة.
في هذا الطرح، سأستعرض بعض الأسس العلمية خلال فترة التعارف التي تكشف الأفكار والسلوكيات وتعكس أبعاد الشخصية، مما يساعدك في قياس مدى توافقك مع الشريك.
قد يتعرض الشباب لانتقادات تتعلق بالسطحية عندما يبرز اهتمامهم بالمظهر الخارجي لشريك الحياة. لكن، من الضروري اختيار شريك تشعر بالراحة معه وتقبل شكله، إذ إن عدم القبول قد يؤدي إلى نفور متبادل يشعر به الطرف الآخر وينعكس في سلوكياته. لذا، يجب أن تسعى لدخول علاقة تتوافق فيها مع الجوانب الخارجية والداخلية للشريك.
مع بدء التعارف ، من المهم التركيز على سمات شخصية الشريك، خاصةً في مجالات العصابية والاتزان. لاحظ كيف يتصرف في المواقف الصعبة: هل هو قلق ومتوتّر، خائف من الحياة، غاضب ومنفعل، أم متزن وعقلاني؟
أما بشأن الحدود الشخصية، يمكنك تقييم إذا كان شريكك صارمًا في الحفاظ على حدوده، حيث لا يسمح لأي شخص باختراقها، أم أنه سلبي ويبرر خوفه من المواجهة. هذه الصفات تعكس جوانب مهمة من شخصية الإنسان.
تحليل عقلية الشريك يعد من الأمور الأساسية في بناء علاقة ناجحة. يجب أن نلاحظ توجهاته الفكرية: هل هو شخص تقليدي يلتزم بموروثاته وعاداته، أم أنه منفتح يعيش في مراجعة دائمة لتقاليده، مستندًا إلى الدين والمنطق؟ الشريك المنفتح يكون أكثر قبولًا للأفكار الجديدة ويتسم بالانفتاح الفكري الواعي.
بالمقابل، هناك نوع آخر من الانفتاح غير الواعي، يكتفي فيه الشخص بالتوجه نحو رغباته المكبوتة التي تحقق المتعة اللحظية، والتشبث بكل ما هو عصري حتى لو افتقر إلى القيمة والمعنى.
أيضًا، من المهم مراقبة توجهات الشريك نحو أهدافه في الحياة. هل هو شخص روتيني يعيش بكسل ولا يسعى للتطوير، أم أنه طموح، لديه خطة واضحة ويسعى لتحقيق شغفه وتنمية مهاراته؟ هذا التوجه يؤثر بشكل كبير على جودة العلاقة.
ولما كانت العوامل المؤثرة في نجاح العلاقات الزوجية متعددة ومعقدة، قد لا يتسع المجال لتناولها جميعًا، لكني أود التأكيد على أن تباين الشريكين في جوانب المعتقد الديني، والطبقة الاجتماعية، والعمر قد لا يشكل عائقًا، إذا ما صاحب ذلك قبول واحترام متبادل وتجنب جدالات إثبات التفوق.
فيما يتعلق بالعمر، جدير بالذكر أن العلاقة بين العمر والنضج ليست مباشرة. فالنضج الفكري والعاطفي والسلوكي يرتبط بشكل أكبر بتجارب الحياة التي مرّ بها الفرد، والتي أسهمت في تشكيل وعيه وتعميق نظرته للحياة.
كما يجدر الانتباه إلى أن الناس يختلفون في تعاملهم مع المال؛ فبعضهم يتسم بالكرم، بينما يعاني آخرون من شح أو عقدة تتعلق بالمال أو عدم القدرة على إدارة حياتهم المالية بصورة صحيحة، مما يزيد من تعقيد الحياة.
قد لا يتمكن المرء من تجميع تلك الكوكبة من الصفات المثلى في شخص واحد، فالنقص جزء من الطبيعة البشرية. لكن الأهم هو أن تعرف بدقة ما تريده، وأن تنظر إلى الآخر بواقعية وتقبل، لأن تغيير العادات المتأصلة لن يكون بالأمر اليسير.