الكرامة ليست ترفًا إنسانيًا… بل شرط للبقاء
بقلم : علياء عبيد المسيبي – مدير مؤسسة القلب الكبير بمناسبة يوم اللاجئ العالمي
تُصنَّف ضروريات العيش الإنساني الكريم في عالم اليوم على أنها: الغذاء، المأوى، التعليم، الرعاية الصحية، والأمان، فهذا ما اتفق البشر عليه كأساس للحياة، لكن الحقيقة التي نغفل عنها كثيرًا، هي أن مفهوم “الضرورة” ليس ثابتًا، بل يتغيّر تبعًا لموقعنا من العالم، وأحيانًا تبعًا لهويتنا.
يظهر ذلك واضحاً، ونحن نقارن بين مجتمعات الاستقرار ومجتمعات اللاجئين، ففي الأولى تصبح الضروريات بديهية، ومع الوقت، نرتقي إلى حاجات جديدة أكثر وعياً وإنسانية، فنحتاج إلى حرية التعبير، الإبداع، النمو الشخصي، وتحقيق الذات، أما في مجتمعات اللاجئين، فالضروريات تتغير، والمفارقة أنها تتضاعف لتعادل حجم الفقد، لتتحول إلى وتصبح حاجة إلى البيت، والذكريات، والمدرسة، والحماية، والحلم البسيط بالمستقبل ، احتياج لا يسده إلا تضامن إنساني يُعيد للروح شيئاً من طمأنينتها.
يعيدنا هذا الواقع إلى واحدة من أعمدة العمل الإنساني التي يجب التنبه إليها ونحن نمد يد العون للمحتاجين أو اللاجئين، وهي حقيقة الفرق بين “تلبية الحاجات الأساسية” و”إعادة بناء الإنسان”، فهذه الحقيقة تدعونا لإعادة النظر بمعنى “شروط الحياة الإنسانية”، إذ تتقدم حينها مفاهيم الكرامة، والاحترام، والحق بتقرير المصير على الكثير من مفاهيم ضرورات العيش، وتصبح الحاجة ليس للبقاء وإنما للاحساس بمعنى الحياة.
حين تُنتزع الكرامة من الإنسان، تفقد ضرورات العيش معناها، وبالتالي يفقد دعم الغذاء والدواء والمأوى قيمته وأثره، إذ لا معنى لأي استجابة إنسانية إن لم تحافظ على احترام الفرد وحقه في أن يكون جزءًا ومساهماً في تجاوز محنته، لا مجرد متلقٍ للمساعدة، لذلك يمكننا القول: إن الدعم الحقيقي لا يُقاس فقط بما نُقدمه، بل بما نُبقيه حيًّا في داخل الإنسان.
ولهذا المعنى قيمته، لأن ما يُبقي الإنسان حيًّا في الداخل ليس الخبز والماء فقط، بل ما يُبقي أي إنسان على قيد الأمل والرغبة بالحياة، هو: الشغف، الفن، القدرة على اتخاذ القرار، التعبير، والخيال، لهذا نؤكد دائماً في “مؤسسة القلب الكبير” أن اللاجئين ليسوا “ملفًا خاصًا”، ولا “قضية حساسة”، أو”استثناءً إنسانيًّا” ومهمتنا ومسؤوليتنا تجاههم لا تنتهي بتقديم ما يجعل أجسادهم على قيد الحياة، بل واجبنا كذلك أن نتضامن لتظل أرواحهم حيّة، وأن نتيح لهم المجال ليكونوا جزءًا من صناعة مستقبلهم ومستقبلنا كبشر ومجتمعات على هذه الأرض.
لذلك علينا أن نبدأ بتجاوز فكرة النظر إلى اللاجئين كضحايا دائمين، علينا أن نفهم أن احتياجاتهم لا تنتهي بضروريات العيش فقط، بل بما يمنح الحياة معنى، فعندما تكون الكرامة حاضرة، ويتجسّد التضامن الحقيقي، تتحوّل المساعدات من إجراءات طارئة إلى أدوات لاستعادة الحياة، المأوى يصبح بيتًا، والمساعدة تتحول إلى شراكة، واللاجئ يصبح صانعًا لمسيرته من جديد.
وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبدعم لا يتوقف من قرينة سموه، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة القلب الكبير، نضع هذا المبدأ في صميم كل مشروع، ونُحاسب أنفسنا ونسأل: هل حافظنا على الكرامة؟ هل استمعنا؟ هل أفسحنا المجال ليكون الإنسان في صميم الحل، لا على هامشه؟
في اليوم العالمي للاجئين، دعوتنا واضحة: لنُعد تعريف ما نعنيه بالدعم، لنُدرج الكرامة ضمن معايير النجاح، لا في هوامش الخطاب.
لأن الإنسان بلا كرامة، لا يستطيع أن ينهض.
ولأننا إن سلبنا الكرامة من الآخرين، فقدنا نحن إنسانيتنا.