مرئيات
النفحات الروحية للمسلمين في يوم عرفة..
بقلم : إبراهيم المحجوب – كاتب عراقي
يعتبر يوم عرفة من الأيام المقدسة لدى المسلمين وهو من الأيام المهمة في الإسلام والذي يصادف اليوم التاسع من شهر ذي الحجة حيث تجد المسلمون وخاصة حجاج بيت الله الحرام يقفون في صعيد تلك الأرض المباركة وذلك الجبل الذي يقع ضمن هذه الأرض التي حددتها الملائكة لنبي الله إبراهيم عليه السلام …
ويعتبر الوقوف في عرفة من اهم أركان الحج حيث تتجلى فيه الفلسفة الروحية العميقة التي تعبر عن مضمون جوهر العلاقة بين العبد وربه وكذلك تجد فيها العلامات البشرية التي تتكلم عن مفاهيم التوبة والتجرد من الدنيا والتقرب الى الله الواحد الأحد من خلال التوحيد الخالص نعم أنها فلسفة من نوع خاص فلسفة لا يمكن لنا أن نطلق عليها تسميات عديدة الا تسمية واحدة تسمية الإيمان المطلق بوحدانية الخالق وكذلك وقوف الإنسان أمام ربه كعبد ذليل يحاول التقرب الى خالقه بطريقه التوبة والمغفرة…
إن الوقوف بعرفه ليس طقوس عبادية عاديه نستطيع تأديتها في كل أيام السنة بل هي لحظة وجودية يقف الإنسان بها أمام خالقه متجردا من كل زخارف الدنيا وشهواتها متساويا مع الجميع بملابس الإحرام بلا تمييز
متساوين أمام الله والجميع عيونهم غارقة في الدموع تطلب الرحمة والمغفرة من رب كريم غفور رحيم..
وتجد الجميع يحملون في داخلهم وفي أرواحهم الاحساس بيوم القيامة حيث لا ينفعوه لا مال ولا جاهل ولا ثروات الدنيا بأكملها هنا يتذكر الجميع النهاية فيولدوا في القلوب إحساس عميق بالتوبة والإنابة إحساس يقرب العبد من خالقه بعد أن أبعدته الدنيا بملذاتها وشهواتها الدنيوية التي تنتهي بأوقاتها وساعاتها الخاصة..
في عرفة لا يوجد شعارات تمجد الملوك وتمدح الأمراء والرؤساء والشيوخ لا يوجد الا شعار واحد شعار الوحدانية شعار التوحيد المطلق..
”لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك”. هذه الكلمات تُمثّل خضوعًا كليًا لله، وانفصالًا كاملا عن كل تعلّق دنيوي أو شرك خفي، وهو تأكيد أن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، بل كل الأمر بيد الله وحده… إن الدعاء في يوم عرفه له فلسفة خاصة ، فلسفة عظيمة تعبر عن الحاجة والفقر الى الله وهي اتصال مباشر بين العبد والخالق بين هذه الروح التي تركت ملذات الدنيا وتوجهت لتبحث عن الرحمة والمغفرة فعلا إنها لحظه صدق تتكلم فيها الروح ويعترف فيها الإنسان بضعفه وهو يناجي الله من صميم قلبه بكل مصداقيه ورجاء عظيم.. تجد الحجيج بصوت واحد مرددين دعاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال إن خير دعاء في عرفة وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.”..
نعم نعم في هذا اليوم المبارك يطلب المخلوق من الخالق وهو على يقين تام إن الاستجابة موجوده فتجده يطلب العتق من النار لان الله سبحانه وتعالى لم يعتقوا خلقا في يوم من الأيام كما يعتق في يوم عرفة.. هذه الرحمة الإلهية الخاصة لهذا اليوم المبارك.. هذا اليوم الذي تجد فيه أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه وأن الإنسان يستطيع أن يبدأ صفحة جديدة بعد أن أصبحت صفحته ناصعة بيضاء لأن الله يحب عباده رغم ذنوبهم، فيتجلّى اسمه “الغفور”، و”الرحيم”، و”العفو” في أبهى معانيه.
ما أجملها تلك اللحظات في هذا اليوم المبارك يوم عرفة وفيه تتجلى الروح على حساب الجسد فلا شهوات لأنواع الطعام ولا متاع ولا شهوات.
أما غير الحجيج من المسلمين فصيام هذا اليوم هو كفارة لسنة مضت وسنة قادمة.
نعم نعم أن هذا اليوم له فلسفه خاصه تتركز على الذكر والدعاء والبكاء والإنابة فتجد التجربة الروحية تحرر الإنسان من قيود الدنيا وتذكره بحقيقته ككائن زائل بأمس الحاجة الى الرحمة الإلهية..
وللتوضيح فان رمزية عرفات في معرفة الذات ومعرفة الله وأن اسم “عرفة” يحمل دلالة روحية كبيرة وتعني عرفة يعني المعرفة.لأن في هذا اليوم، يعرف العبد نفسه، ويعرف ضعفه، ويعرف ربه حق المعرفة.
أما التسمية فهناك عدة تفسيرات رمزية تقول إن “عرفة” هو الموضع الذي تعرف فيه آدم وحواء بعد الهبوط، وهو مكان التصالح الإنساني والعودة إلى الجذور. وهناك تفسير سمعته وأنا في الديار المقدسة من أحد أصحاب العلم هناك حيث قال لي أن ملائكة الرحمن وبالتحديد أمين الوحي عندما أبلغ سيدنا ونبينا إبراهيم بحدود تلك المنطقة المقدسة فيقول له هذه الحدود هل عرفت فيجيبه نعم عرفت نعم عرفت وسميت عرفة.
وفي كل الأحوال فإن المعنى الواحد هو تواجد الحجيج لأداء أهم ركن من أركان الحج في هذا المكان الطاهر المقدس وهم يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى قد أصبح متجليا فوقهم يبكون ويدعون يطلبون الرحمة والمغفرة..نتمنى للجميع زيارة بيت الله الحرام والوقوف في ليلة عرفة ودعائهم لا اله الا الله محمد رسول الله…