ثوابت القيادة لدى المرأة الإماراتية

بقلم: الدكتورة فاطمة البلوشي :مؤسس ومديرة ديوان لبحوث واستشارات علوم القيادة

يطرح علماء وباحثو علوم القيادة الغربيون العلاقة بين المرأة والقيادة كعلاقة لا تخلو من تعقيد وذات تاريخ شائك. فالثقافة السائدة في الغرب أن التنظير العلمي مهنة يهيمن عليها الرجال ودور المرأة فيه محدود إن لم يكن غائباً حتى وقت قريب. ولكن يبدو أن الفجوة الموجودة بين النظريات والممارسة المهنية اليومية قد فرضت الحاجة للخبرات العملية للمرأة القيادية كعنصر مهم في تنظير وبحوث علوم القيادة؛
ليس فقط لأن ذلك سيحقق المساواة بين الجنسين بل لأن التغيير الاجتماعي الفعّال بعمومه لا بد وأن يستند إلى خبرات عملية وواقعية.
إن التاريخ الذي تسرده البحوث العلمية حول المرأة والقيادة في الغرب يكشف عن تحديات كبيرة كانت ولا زالت تواجهها المرأة الغربية في ميادين القيادة المؤسسية والمجتمعية والسياسية وغيرها. وإحدى المفاهيم الرائجة التي صاحبت تلك التحديات هو مفهوم “السقف الزجاجي”، والذي يشير إلى المعوقات التي تمنع النساء من الترقي بشكل طبيعي إلى المناصب الإدارية والتنفيذية في مؤسسة ما. وبالتالي فقد انشغلت البحوث المعاصرة برصد “كيف” و”لماذا” تتشكل تلك الموانع بدل استكشاف القوى الحقيقية التي تحشد وتحرك القدرات القيادية لدى المرأة.
وعند مقارنة هذا الجانب التاريخي الغربي لعلاقة المرأة والقيادة بما يحدث في واقعنا العربي فإننا نجد أن ثقافتنا تعكس صورة مغايرة إلى حد ملحوظ.. فلننظر مثلاً إلى نهج القيادة الإماراتية في تمكين المرأة الإماراتية وتأهيلها قيادياً، وهو نهج صاحب الخطوات الأولى منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لا بل إن ريادته تعود إلى “امرأة”؛ وهي سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك قرينة مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”.
وهذه الريادة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “حفظها الله” تعد نموذجاً لثوابت أصيلة تتميز بها المرأة الإماراتية والعربية. فلو أننا تقصينا العوامل التي تشكّل الاختلاف في العلاقة بين المرأة والقيادة في حضارتنا وغيرها من الحضارات ومنها الغربية لوجدنا عاملين رئيسيين:
الأول هو أن تكريم المرأة وتمييزها قيادياً أمر متجذر في الثقافة العربية والإسلامية عكس ما يدعي الكثير. فلو عدنا إلى اللبنات الأولى من تأسيس الحضارة الإسلامية فإننا نجد المرأة عاملاً أساسياً في صياغة هذه الحضارة بدءاً من حسن إدارة خديجة “رضي الله” عنها لتحديات الرسالة التي كلف بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومروراً بتكريم زوجات النبي “صلى عليه وسلم” كأمهات للمؤمنين وهو تكريم خالد لم يقتصر على زمن وجودهن أو حياتهن، وبلوغاً إلى يومنا هذا، حيث تنامت الأدوار القيادية والموثقة تاريخياً في مجالات متعدّدة وعلى مستويات متعدّدة أيضاً وعلى رأسها نموذج سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “حفظها الله”. فذاك التكريم الأول لأمهات المؤمنين ما هو إلا نهج يؤكده الإسلام لتنمية دور المرأة القيادي لأسرتها ومجتمعها مما يجعل التغاضي عنه خصلة لا تتفق وقيم مجتمعنا الأصيل.
ويبقى العامل الثاني الذي نختم به مقالنا هو أن تحديد دور المرأة القيادي في ثقافتنا لم يكن يستثني دورها الطبيعي كأم أو زوجة أو أخت وإنما يُحدّد كامتداد طبيعي له مما أدى إلى وعي المرأة المستمر والمتكامل بهوياتها المتعدّدة في أسرتها ومجتمعها ووظيفتها. وذلك عكس ما تذكره البحوث الغربية التي تشير إلى أن فهم الدور القيادي للمرأة الغربية بدأ بنماذج من النساء اللواتي يعتبرن استثنائيات في مجتمعاتهن لأنهن خرجن على المألوف من الأعراف الاجتماعية والمهنية. والجدير بالذكر أن هذا الاستثناء جاء وفق معايير يحدّدها الرجل بفوقية بينما يبقى الرجل في مجتمعنا حليفاً للمرأة ونصيراً لها.