شعيرة الحج في زمن الكورونا
بقلم:الدكتورة فاطمة البلوشي - مؤسس ومديرة ديوان لبحوث واستشارات علوم القيادة
منظر مهيب لحجاج مكة هذا العام 2020 في طواف قدومهم ووقوفهم في عرفة، هي ليست المهابة التي اعتدناها كل عام في زحام حجاج بيت الله وإنما مهابة التنسيق والالتزام الذي فرضته تداعياتُ جائحة الكورونا. في ظل تلك التداعيات تخوّف كثير من المسلمين أن تتأثّر شعيرة الحج لهذا العام سلبا، ولكن – وبفضل الله – تلاشى هذا الخوف مع إعلان حكومة المملكة العربية السعودية عن إقامة الحج بأعداد محددة من المسلمين المقيمين في المملكة. وهو إعلان أثلج صدور المسلمين قاطبة فلم يسبق أن ألغي الحج في عهدنا الحديث ونسأل الله ألا يحدث ذلك أبدا وأن تبقى مكة مفتوحة لقاصديها دائما وأبدا.
وإنجاز المملكة العربية السعودية في تنظيم وإدارة حج هذا العام وفق احترازات صحية عالية المستوى لمواجهة جائحة الكورونا يعزّز إشادة عالمية بكفاءة حكومات عربية عدة في التصدي لتداعيات الجائحة. بل إن دولا كالإمارات العربية المتحدة قد تفوقت عالميا في مضامير كفعالية العلاج لمصابي فيروس «كورونا» وإدارة الأزمات وتحديدا التعامل مع أزمة جائحة كورونا. ولعل ما يعزّز ثقتنا في حكوماتنا هو الجانب الإنساني الذي تميّزت به في التعامل مع هذه الأزمة. فالسبق علمي وإداري وإنساني ليس فقط في السيطرة على عدد المصابين وانتشار الفيروس بما يهدّد مقدرات حكوماتنا – لا قدّر الله – وإنّما أيضا في تساوى الجميع في فرص العلاج والوقاية وتدابير استمرار الحياة طبيعية قدر الإمكان للجميع أيضا.
وهناك سعادة أخرى تملأ قلوبنا بإقامة حج هذا العام وهي سعادة ممزوجة بالفخر ونحن نرى تعامل المملكة العربية السعودية مع تحديات الكورونا التي أخطر ما تكون في أبسط أشكال التجمعات البشرية. فرغم تحديد عدد الحجاج بعشرة آلاف فرد – وهو عدد كبير جدا – فالتحدي الوقائي كان لا يزال أكبر مع طبيعة مناسك الحج وجغرافية الأماكن التي تحتم التقارب البشري بصورة أو بأخرى. ورغم ذلك فهناك ثقة في أن المسؤولين عن إجراءات الحج هذا العام يتخذون التدابير اللازمة عن علم وخبرة ويقظة وانعكس ذلك في المشاهد المنقولة إلينا من مكة المكرّمة لا سيّما في طمأنينة الحجاج أثناء تأديتهم مناسك الحج. وفخرنا مزدوج فمن جهة هو فخر بجهود المملكة وحنكتها المعهودة في قيادة شعيرة الحج إلى بر الأمان كل عام. ومن جهة أخرى هو فخر بالالتزام الحضاري والراقي الذي أبداه حجاج بيت الله الحرام وهو التزام سمح للعالم بأسره أن يشهد مدى دقة وانسيابية مناسك الحج في وقت تعم الفوضى مشاهد كثيرة في زمن الكورونا.