صحة وتغذية

القيادة الخفية وطبيب الغلابة

بقلم:د. فاطمة البلوشي - مؤسس ومديرة ديوان لبحوث واستشارات علوم القيادة

رغم كم البحوث والدراسات المتزايدة حول كينونة القيادة إلا أن خبراء القيادة لا زالوا في حيرة من الوصول لتوصيف محدد له. وتزداد حيرتهم حين تفاجأهم الدراسات الميدانية بالتأثير الذي يمتلكه أفراد محدودي السلطة والمال في مؤسساتهم أو مجتمعاتهم وهو تأثير قد يصل إلى حد تحريك أو حشد القوى المؤسسية أو المجتمعية تجاه تحقيق هدف محدّد. ومن محاولات الباحثين لتوصيف هؤلاء الأفراد أن اصطلحوا على تسميتهم بـ “القادة غير الرسميين” أو توصيف تأثيرهم بـ “القيادة الخفية”. ولربما ينطبق هذا التوصيف على الدكتور محمد مشالي والمعروف بـ “طبيب الغلابة” الذي طالعتنا الأخبار بوفاته منذ أيام رحمه الله.
إن في سيرة هذا الرجل ما قد يُثري بعض تلك الدراسات الرامية إلى فهم كنه القيادة، فقد كان رجلا بسيطا من حيث امتلاك المال أو السلطة أو النفوذ الاجتماعي ومع ذلك فقد كان لرحيله صدي يضاهي من تُحسب له تلك المُقدرات. جُل ما فعله هذا الرجل أن أفنى حياته وبذل علمه في خدمة الفقراء غير القادرين على تكاليف العلاج الطبي مقابل مبالغ رمزية جدا. ليس هذا وحسب، بل تؤكد الأخبار المتوالية رفضه لإغراءات مادية كثيرة لأنه رأى أنّها قد تبعده عن رسالته النبيلة تلك. ومن الجلّي البعد الأخلاقي في رسالته النبيلة والتي قد تصبح أقوى بعد وفاته فالطبيعة الإنسانية تميل إلى توقير آثار الراحلين وتمجيد أعمالهم.
الشاهد هنا أن إحدى محاور قوى القيادة الرئيسة – وهو تأثير القائد على مجتمعه أو أتباعه – يتعدى المفهوم السائد لدى المتلقي العربي للقيادة وممارساتها. فالقيادة ليست فقط مجموعة أوامر وتوجيهات لمجاميع عمل لإنجاز مهمة أو مشروع ما. والسلطة التي تدعم القيادة قد لا تكون بالضرورة رسمية أو عليا تفوضها تجمعات مؤسسية أو مجتمعية. فالقيادة قد تكون خفية وتحرّكها قيم ودوافع إنسانية بل وعاطفية مما يحشد طاقات وأفراد نحو هدف معين. وهناك أمل في تعزيز مثل هذا المنظور المتجدد للقيادة ليصبح في متناول فهم مجتمعاتنا الحريصة على النماء ورخاء الإنسان عبر تمكين الفرد بكل طاقاته الظاهرة والكامنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى