الزواج في أذهان كثير من الشباب أمنية عذبة صعبة المنال ، وحلم من أحلام الكرى.. نظراً للتكاليف الباهظة التي تتطلبها مراسمه مقارنة بتحصيلهم ودخلهم المادي سيما أنها المناسبة الأكبرفي تاريخ العروسين والأهل وحتى البيئة التي تحيط بهما ، وقد تمتد مظاهر الاحتفال بها عند البعض إلى أربعين يوماً ويدعى إليها الأقارب والجيران وقد تؤمها قرى بأكملها ، لذا تحسب الأسر ألف حساب لهذا الحدث الكبير ..لأنهم ملزمون بتقديم الضيافة التي تليق بمكانتهم الاجتماعية طيلة أيام المناسبة..
ويبقى اختيار شريكة الحياة له عالمه الخاص المستوحى من مفاهيم متوارثة وأدوات متنفذة ولايعتمد على الخبط والعشوائية واللقاءات العابرة باعتباره رحلة عمر وشراكة دهر ، وكان في الماضي القريب يوكل إلى الجدات وصاحبات الخبرة.. والناس لايجدون غضاضة في السماح للخاطبات في طرق أبوابهم ومعاينة المخطوبة من بناتهم على الرغم مما كانت عليه البيوت من حرمة ومهابة وقداسة..
اليوم فاجأت جائحة كورونا العالم على غير ميعاد بأسلحة لا تقاوم وأذرع أخطبوطية فغيرت مفاهيم الناس وأسلوب حياتهم وفرضت عليهم سطوتها وقسوتها وأجبرتهم على التعايش مع قضها وقضيضها بعد أن أدخلتهم في نفق لا نهاية له وأيامها مجهولة العد والحساب علمها عند ربي..لكن خلافة الأرض تقتضي أن تكون عجلة الحياة في حركة دائمة لا تتوقف ولا تنتظر التأجيل لأنها قائمة على سنن كونية وحاجات فطرية ومنها الزواج وبناء الأسرة وهو أسمى في جوهره من تقيدها بمظاهر البذخ والمباهاة التي تعبدها الناس وألفوها حتى صارت ركناً من أركان عاداتهم وتقاليدهم التي يصعب تجاوزها..
وأما ذوو الدخل المحدود فقد نزلت قيود الجائحة نعمة عليهم وكأن لسان حالهم يقول ما أجمل أيام كورونا وهداياها ، وما أيسر الزواج في حكمها وزمانها لأنه يخلو من الإسراف والتبذير وقائمة الطلبات التي تطول من حفلات وهدايا وفواتير لا حصرلها واقتصرت على الضرورة من مشاهد البهجة بمشاركة العروسين والعائلة الصغيرة وكان لزا ماً على الجانب الآخر أن يذعن ويرضى بالأمر الواقع في أبسط المراسم وأقل النفقات..
إن تأجيل الزواج خيار صعب وطريق محفوفة بالمخاطر لكن البدائل اليوم حاضرة ، فالأحاديث مع أسرة العروس تقضى باتصال مرئي دون حاجة للقاء وهم مقنعون بالكمامات وغيرها.. وقبلها ترسم لك وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات.. مع شهادة الأهل والجيران صورة عن الخاطب والمخطوبة ، وإشهار الزواج تحمله البطاقات الإلكترونية عبر وسائل التواصل دون تكلفة تذكرمع أمنيات عذبة وعبارات جميلة تجوب العالم الافتراضي فيدعو لك الأهل والمحبون ويشهد ويبارك على زواجك الكثيرون ..وحتى عقود الزواج صارت متاحة فتواصل المأذون مع الزوجين وولي أمر الفتاة في زمن واحد دون الحاجة إلى مكان يجمعهم أسهم في تيسير الأمر وهذا مقصد شرعي قبل أن يكون مطلباً إنسانياً فالمودة والرحمة هما جوهر الزواج في الإسلام وخير النساء وأكثرهن بركة أيسرهن صداقاً وهي سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) في أمته ومن قبلها في أهله وصحبه.
هل كنا بحاجة إلى كورونا حتى نتوقف عن البذخ والمبالغة وتسجيل المواقف التي لا تلبث أن تزول معالمها وتندثر مباهجها وتظل تبعاتها المادية سوطا على رقاب الأسرة.. ؟!هل نسينا سنن الفطرة وتعاليم الإسلام بتيسير الزواج حتى صدمتنا كورونا بجمال الفطرة وبساطة الحياة وعلمتنا أن مراسم الزواج غير ضرورية ولافرق بين فندق بخمسة نجوم مقابل الاكتفاء بعقد قران في مركز حكومي أو حتى في منزل العروسين.. فهل تكون أعراس الكورونا بداية لعهد جديد وقاعدة لتأسيس منظومة الزواج مستقبلاً بدلاً من هدر المال ومجانبة الفطرة بدعوى فرحة العمر.. ؟! وهل يغدو زواج الكورونا ثقافة للمجتمع يعيدنا إلى مدرسة النبوة ويومها نودع طوابير العزاب ونرحل بظاهرة العنوسة وتبعاتها الأليمة إلى سجل الذكريات.؟!..
د. موسى علي حمد