احترق التين والزيتون.. السوريون يريدون الحقيقة فقط
بقلم: إبراهيم شير - كاتب وإعلامي سوري
احترق التين، ولحق به الزيتون، وفني طور السنين، ولم نعد نعلم متى سيعود هذا البلد أمين، والحياة كل يوم تهبط إلى أسفل السافلين.. اليوم أثبتت الجغرافيا السورية أن كل من عليها فَانٍ.. فقد ذاق الشعب كل الويلات التي حدثنا عنها الآباء والأجداد، بداية من الصواريخ والقذائف التي كنا نشاهدها بالتلفاز حتى باتت تسقط على الرؤوس، ونهاية بالفقر وأيام السفربلك ونهاية بالحرائق وربما يأتي زلزال يرث الأرض ومن عليها، فكل أصناف الموت والقهر والحسرة عاشها الشعب السوري على مدارس السنوات التسع الماضية.
جبالنا الخضراء لم تعد كذلك، وأحراشنا الناجي الوحيد من الدمار البشري على مدار سنوات الحرب طالتها اليد الآثمة فاحترقت جبال الساحل بما فيها. وهذا ما يدفعنا للسؤال هل ما حدث صدفة أم بفعل فاعل ومن المستفيد؟ خصوصا في هذا الوقت. هذا الحريق سببه واضح ولا يحتاج تفسير وتحليل كثير والسبب هو الضغط أكثر وأكثر على الدولة السورية من أجل القبول بطروحات حاول البعض فرضها عليها وتم رفضها، ولذلك هذه الحرائق ضغط جديد ومحاولة ابتزاز قذرة.
سوريا الآن تعيش مرحلة عصيبة وحساسة في ظل حصار خانق لأبعد الحدود فرض عليها أميركياً وغربياً ونفذ بأيادي عربية. الولايات المتحدة فرضت قانون قيصر للعقوبات الذي يمنع حبة الدواء من الدخول إلى البلاد، ثم أزعن الغرب من قبرص إلى أسبانيا في فرض هذا الحصار، وعندما فقدت المحروقات في البلاد أرسلت إيران باخرة تحملها، إلا أن السلطات اللبنانية “الشقيقة” صادرتها بحجة تنفيذ قانون قيصر.
الآن أريد أن أرتب المعطيات ومن ثم أرى الصورة هل هي واضحة أم لا تزال ضبابية؟ أزمة المحروقات مثلاً بدأت فعلياً بعد زيارة الوفد الروسي إلى دمشق في السابع من الشهر الماضي لماذا؟ ألم يتفق الجانب السوري مع الجانب الروسي على الأمور الاقتصادية، لماذا هذه الأزمة إذاً؟ ألم يأخذ الجانب الروسي كل ما طلبه في حميميم وطرطوس وغيرها سواء قبل عام 2015 وبعد عام 2020 فاين مساعدته؟ هل يساعد في الحرب على الإرهاب فقط؟ جميل إذاً لماذا لا يساهم بضرب الإرهاب في إدلب؟ الحليف الروسي يساعد الدولة السورية في حربها على الإرهاب والرئيس بشار الأسد قال إن الحرب على الإرهاب لم تنتهي، إذاً لماذا لا يواصل دعمه الجوي حتى يستعيد الجيش السوري إدلب وباقي المناطق المحتلة من الإرهابيين؟ ألم يشرع الوجود الروسي الوجود التركي في سوريا بطريقة أو بأخرى؟ لنعد إلى صلب موضوعنا لنرى أن الأزمة بدأت منذ أن غادر الوفد الروسي دمشق لماذا؟ ماذا حصل؟
بعد أزمة المحروقات التي أتت في ظل ضغوطات وباء كورونا وضعف السيولة في البلاد والحصار المفروض عليها، والأموال المجمدة في لبنان لم تعيدها المصارف اللبنانية إلى سوريا، كان الشعب يعول على محاصيل الزيتون أن تحرك عجلة الاقتصاد لتأتي هذه الحرائق وتأخذ معها الأخضر واليابس وتنضم إلى شقيقاتها من الحرائق التي اندلعت بشكل “مفاجئ” قبل نحو شهر، ولما يساعد سوريا في ذلك الوقت ولا الآن أحد، وتركت وحدها وشأنها وكانها جزيرة في مثلث برمودا بالمحيط الهادئ.
الشارع السوري الذي صمد وتحمل الحرب الشرسة والقذرة التي فرضت عليه، يستطيع تحمل فقدان المحروقات والطعام والغلاء وكل شيء، ولكن يريد الصراحة فقط، من تحمل أن يقوم جاره بقتله لسبب طائفي أو عقائدي أو وطني، يستطيع أن يصمد دون بنزين ويذهب إلى عمله مشياً على الأقدام أيضاً، ولكن على الحكومة أن تحدثه بصراحة. لماذا يتم تركنا للتحليلات والمحللين الذين أقصى شيء قد يفعلوه هو تحليل “الدم” حتى أكون مؤدباً وليس التحليل السياسي، لماذا لا يخرج أحد المسؤولين ويتحدث عن أزمات البلاد بصراحة؟ لماذا لا يقولون ماهية الحرب التي تفرض علينا؟ سواء أن كان يفرضها العدو أو الحليف، الصديق أو الغريم، لماذا لا يقولون لنا ما يحمله الحليف الذي وكلناه أمرنا وشكينا له قلة حيلتنا من أجندات؟ سواء للحل أو للتصعيد. الشعب السوري الآن بات يتقن كل أساليب الصمود والحياة ولكن ما يحتاجه قليلاً من العدل والمحاسبة للفساد، ثم صدق قليل من المسؤولين، ومن قال أنه يريد أكثر من هذا فهو واهم.
اللهم إليك أشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربنا إلى من تكلنا. إلى بعيد يتجهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا. إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، ولكن عافيتك أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علينا غضبك أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.