إبليس ..والتواصل الاجتماعي

هناك معركة لا تهدأ ولاتستكين ساعة ولاينطفئ  لهيبها ولاتفتر لحظة بين خليقة الشر إبليس وخليفة الله في الأرض آدم وصراع الإنسان والشيطان ممتد في شعاب الزمان إلى قيام الساعة بعدما توعد إبليس ـ أول الشياطين ـ آدم وذريته بحرب ضارية لا يخفت أوارها إلى يوم القيامة وأنها المهمة التي  أنظره الله لها وأعطاه من القدرات الخارقة في التطواف وتخطي الحواجز ووسائل الإغواء ..وأقسم الملعون بالقعود لهذه الذرية في كل طريق وبأنه سيأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم …

لقد أصبحنا في زمن باتت فيه مواقع التواصل قبلة الناس ومحرابهم  ، روادها بالمليارات تعج بما هب ودب من المواد والمغريات ،  فكل العوالم صارت حبيسة لتلك المواقع ومع كثرتها وتعدد وظائفها حاصرت الإنسان فلا تدعه يخرج من شباكها ،  فبضاعتها متنوعة للصغير والكبير وللذكر والأنثى وللجاهل والعالم.. بأساليب شتى وصور مشوقة وألوان مبهجة مع توالي الرسائل التي تهدف إلى تدجين روادها ومتابعيها حتى يصبحوا أسرى فلسفتها ورؤيتها لترحل بهم إلى عوالمها وجلها مشبوهة ومستنقعها آسن ..

إن حرص إبليس على وسائل التقنية الحديثة لم يكن نافلة أو للتسلية بل هي اليوم محور إمبراطوريته الشيطانية وهو أشد المخلوقات فرحاً بها وحرصاً عليها واستثماراً لها ولعله أنشأ جيشاً من المختصين الذين برعوا في علومها والاستفادة منها بل وظفوا من البرامج والتطبيقات ما يسهل عليهم إيصال طوفان رسائله  الشريرة إلى عوالم مرئية وأخرى مشفرة غيبية..

لم تكن البشرية في يوم من الأيام كحالها الآن ولقد ذهب الزمان الذي كان فيه الوصول إلى الأشخاص والدخول إلى بيوتهم  بغير إذن غاية في الصعوبة وضربا من الخيال وكان يحتاج من إبليس إلى أساليب ماكرة ودراية في نصب شباك الخداع والوسوسة مع مزيد من الجند ،  بينما اليوم الضحايا هم من أشرعوا أبوابهم لمن هب ودب وانتظروا القادم الذي يأتيهم اليوم على شاشة مضيئة جذابة تشد البصر وتغري النفس وتلازمهم ليل نهار ثم ترحل بهم فرائس منهكة مدمرة إلى عوالم  شريرة مجهولة..

لن يسلم  المرء في خلوته بعد اليوم وإن اعتزل الناس ،  فجيوش المحن  تهاجمه ويصطلي بنار الفتن ويدخل في معارك افتراضية وهو جالس بين أهله وصحبه وقد تلازمه كل هذه المشاكل والإحن وأخواتها وتصحبه في صحوه ونومه وفي راحته وشغله ،  فهي لا تعدو لمسة من أصابعه على أزرار هاتفه الجوال ليكون في عوالم أخرى تأخذ من وقته الشيء الكثير وقد يعجز عن مواجهة طوفانها ومصائد الشرالتي توزعت على خارطتها فيسلم نفسه لتياراتها تتقاذفه هنا وهناك لتلقي به بعيدا في مستنقعات الوحل والطين..

لم يعد إبليس بحاجة إلى مزيد من الجند فقوائم المتطوعين وأفواج المعجبين تغطي الأفق وربما اعتمد جيوشاً من البشر لحاجته إليهم بعد تفوقهم في ميادين الفساد والإفساد وربما اعتمد اللا مركزية في شركاته العابرة للبيوت والقارات.. والتي أوقفت نفسها وتخصصت واحتكرت كل مايتعلق بذرية أدم ومتطلبات وجوده  وإفسادها من المهد إلى اللحد ..

وسواء آمنا أن إبليس وجنوده امتلكوا ناصية التقنية للتواصل الاجتماعي وبرعوا في استخدامها أو أنهم أحاطوا روادها بتقنيات الإيحاء والوسوسة فغلبوهم عليها وزينوا لهم سبل الغواية فاستخدموها بما يوافق مناهجهم الشريرة فإننا لا نشك قيد أنملة بأن جل المصائب النفسية والمادية على الأفراد والأسر والجماعات صناعة شيطانية بامتياز.

إن وسائل التواصل ليست شراً محضاً ولا هي وقفا على ذرية إبليس وحده لكنها أدوات تحمل مفاهيم وقيماً وحصادها من الخير والشر يعود لطبيعة الرسائل التي تحملها لكن ارتكاس الناس في الحمأة الوبيئة والدرك الهابط وغلبة الشر وطغيانه وتحكمه في مفاصل الحياة لهذا العالم يشير إلى أن إبليس وذريته باتوا يرسمون معالم الطريق الذي خطه لهم الشيطان الأكبر والذي يقود خطى البشرية إلى الجحيم ..

د. موسى علي حمد