مرئيات

بين مستشفيي خليفة والرحبة..

عندما تتعطل المدارس والجامعات وتتوقف حركة الطيران ومعالم النشاط الإنساني..بل عندما يؤمر الناس بالتزام بيوتهم ويحظر التجوال يبقى هناك جيش وقف نفسه على العمل في كل الظروف للتصدي للجوائح والكوارث والأوبئة..وليس له أن ينأى بنفسه عن المعركة التي كرس حياته لها ولامفر له إلا أن يخوض غمارها وأن يكتوي بنارها..

الممرضون والأطباء والعاملون في المجال الصحي فرضت عليهم معركة غير مسبوقة.. معركة مع جائحة شرسة ومعدية ولادواء لها..وعليهم أن يكونوا في الصفوف الأولى لمحاربتها لأنهم وحدهم المؤهلون للتعامل معها والتصدي لتداعياتها وأذرعها السرطانية لأن بيئتها  حقل ألغام محفوف بالمخاطر والأشواك ولامجال للتهاون أو الأخطاء فيصبحو ا ومن يخالطهم ضحية مرض كرسوا أنفسهم لعلاجه..

وتظل الطواقم الطبية أكثر الفئات المعرضة للإصابة بكورونا نتيجة مخالطتهم المرضى واقترابهم من المصابين والسهر على راحتهم وعلاجهم بينما يعيشون في داخلهم كابوسا من الخوف والتوجس عندما يعودون وهم يحملون هم العدوى إلى ذويهم وعائلاتهم..

لقد كنت يوما ضيفا على العاملين في مستشفى خليفة ثم الرحبة..لقد جئتهم وكانت قدماي لاتقويان على حملي وجسدي  ينتفض من القشعريرة التي تسري فيه كتيار كهربائي ويومها وددت لو أدخلت بعضا من جسدي في الآخر طلبا للدفء والسكينة.. فاستقبلت في طوارئ خليفة باهتمام وإجراءات مستعجلة وكنت أحسب الدقائق سنين طويلة منتظرا شيئا يوقف الحمى التي فلقت رأسي ويذهب  بصقيع سيبيريا الذي تسري برودته في دمي وخلايا جسدي..

لم يطل انتظاري فقد تسارعت وتيرة الفحوصات من تحاليل وأشعة وتخطيط للقلب وتقديم الحقن والمحاليل وكلها أنجزت حيث أرقد ، يقوم عليها طواقم تحسبهم من عالم آخر تدثروا بالدروع وكأنهم مخلوقات فضائية إلا أن تعاملهم ودماثة أخلاقهم مستمدة من عالم الملائكة..

أمضيت يوما في مستشفى خليفة وخمسة في الرحبة ولم يكن الطاقم الطبي في الرحبة إلا نسخة عن مثيله في خليفة فتعاهدني بالرعاية على مدار اليوم والليلة حتى أنني لم انم أكثر من ساعتين لكثرة زيارتهم وأدويتهم مع حرصهم على راحتي

كنت أقدر صعوبة العمل الذي يقوم به الطاقم الطبي لأنهم كانوا يحتاجون في كل زيارة إلى لباس خاص ويستغرقون وقتا في إعداد أنفسهم على ماهم عليه من ألبسة ودروع تحاصر الجسد وتثقل الحركة وقد تركت الكمامات وأدوات الواقيات أثارا على وجوههم وأجسادهم ولكنها الضرورة وعظم المسئولية وخوفا من الخطأ الذي لايغتفر..

لم تكن الغرفة التي أنام فيها ينقصها عن غرف الفنادق ذات الخمس نجوم شيء ، ولم يكن طعامهم بأقل من ذلك إلا أن المرض كان يأخذني ويرحل بي إلى عالم آخر ..

لقد بذل الطاقم الطبي في كلا المستشفيين استطاعتهم وقدموا من الرعاية والعلاج جهدهم وما وصلت إليه علومهم وخبرتهم وكانوا مع إدارتهم يديرون هذين الصرحين على أحسن مايكون من تحمل للمسؤولية والمتابعة الميدانية إضافة للتواصل عن طريق الدائرة الإلكترونية…

لقد احتفى العالم بالعاملين في مجال الرعاية الصحية وخصصت بعض الدول يوما للاحتفال بهم تقديرا لتضحياتهم التي تجاوزت المائة ألف إصابة وأكثر من ثلاثة آلاف وفاة في 73 دولة بل العدد أكثر.. فيما امتنعت كثير من الدول عن تقديم بيانات موثقة

وإذا كان من شكر بعد خروجي من المشفى سالما فهو لله أولا وأخيرا ثم للعاملين في الرعاية الصحية الذين كانوا مثالا للإخلاص والمهنية… شكراً لكل العاملين في مستشفى خليفة شكراً لزملائهم في مستشفى الرحبة. .شكرا للإمارات..

د. موسى علي حمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى