هناك عالم فيزيائي استهواه التاريخ فقضى 28 عاماً يؤلف كتاباً أسماه «العظماء المائة» قرأ فيه مايكل هارت آلافاً من الكتب وسير الأعلام المشهورين ثم انتقى منهم مائة رآهم يستحقون الاختيار ممن أثروا في العالم وكان اختياره للنبي محمد «صلى الله عليه وسلم» في أول القائمة باعتباره الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي مع بقاء تأثيره في قوته وتجدده إلى يومنا ..
ولم يكن مايكل فريد عصره فيما ذهب إليه بل سبقه ـ وحتى اليوم ـ الكثير من علماء ومفكري الشرق والغرب ممن أنصفوا نبي الإسلام بل كان لكثير منهم السبق والمسارعة للإيمان به والتصديق برسالته ثم الدعوة والتبشير بها ..
نحن لا ننتظر شهادة من أحد في مقام النبوة ولاتزيدنا شهادة مايكل وغيره إلا حباً وإجلالاً لهذا الرسول الكريم وتبقى مكانة النبي وصفاته في الإسلام عقيدة نؤمن بها وهو في المحبة ومايتبعها مقدم على كل شيء حتى على أهلنا وأنفسنا وبغيرها لا يكون الإيمان..
وللذكرى فإن منازل الأنبياء والمرسلين ومراتبهم لم تكن مشيئة بشرية إنما كان تفاوتهم في درجاتهم وعلو مقامهم مشيئة ربانية فالله أعلم حيث يجعل رسالته ..واصطفى الله محمداً إماماً للأنبياء وسيداً على ذرية آدم ولاعجب في ذلك.. فقد ختم الله به الرسالات وأودع فيه من عظم الخُلق وأسرار الخَلق والمعجزات مالم يعط لغيره ، ووصل به إلى سدرة المنتهى.. وقرن الله بين محبته ومحبة رسوله ولم تذكر محبة رسوله بذكر في القرآن إلا مع محبة الله تعالى…
إن الهجمة الشرسة والاستهزاء بشخص النبي الكريم بعد أربعة عشر قرناً على بعثته دليل قاطع على أن نور الحق الذي جاء به المصطفى أمضى من السيف وأشد إيلاماً على قلوب الجهلة والمشركين.. وكلما ظهر ـ في حقبة من الزمن ـ أبو جهل آخر انبرى له ألف معاذ ومعوذ ..« إنا كفيناك المستهزئين »
سيدي أبا القاسم
أي حال كان قبل بعثتك ..الكون هائماً في أحلام الكرى ، سادراً في خرافات الورى .. الجباه تسجد لللات والعزى ، والأنوف راغمة لمناة الثالثة الأخرى ..أمة تعيش في مجاهيل الصحراء ، تأكل الميتة ؛ بل يأكل القوي فيها الضعيف ، تعيش في فقر مدقع وثارات لاتنتهي ، لا تعرف طهرا ولاغسلا..وقد هانت حتى وكل بها الفرس والروم عمال الأقاليم ..
ثم كانت بعثتك الكريمة ، وسطعت أنوارك العظيمة ، فأحالت ظلمة الكون إلى فجر صادق وعادت الحياة تموج في أزهى حللها تفوح بالطيب ، وتعبق بالشذى..وصارت رحلتنا على هذا الكوكب في عالم مأنوس ، وصديق ودود (ولله يسجد من في السموات والأرض ) ومن هذا التصور الشامل الفسيح كان حنين الجذع إليك ، وشكوى الجمل بين يديك ، واهتزاز جبل أحد ثم سكونه تحت قدميك ، وإسلام طائفة من الجن..وغيره كثير دلالة على روعة المنهج الذي يربطنا بالعوالم الأخرى ـ من جماد وحيوان ونبات وجان ـ التي تشاطرنا الارض ونتقاسم معها رحلة الحياة..
سيدي أبا الزهراء
تحار الكلمات ..وتسابقني العبرات..وحسبي قوله تعالى واصفاً إياك ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وفي المكانة والقربى (فإنك باعيننا ) ومانطقت به فهو وحي وتشريع ( وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وليس هناك شهادة أعظم من قوله تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)..ويكفيك ياسيدي معجزة أنك أحييت شعباً ميتاً..بل أخرجت منه جيلاً فريداً لن يتكرر أبداً ..كانوا أعراباً مجهولين ، فصاروا عظماء فاتحين ، واساتذة للشعوب معلمين ، لم تغير نفوسهم ممالك كسرى وقيصر التي حكموها ، واستوى في عيونهم تبر الارض وترابها ، وكان منتهى آمالهم ومبلغ شوقهم اللحاق بك « غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه»
سيدي رسول الله
أحبك ياسيدي وكل من أحبك ، أحب مسجدك ومحرابك ، أحب أهلك وصحبك ، أحب قرآنك وسيفك ..فأنت لست يوماً في حياتنا ..ولست ربيعاً في عامنا .. بل أنت في كل حياتنا كالنسغ في النبات وكالشذى في الورد ، وكالضياء في الفجر ..فسلام عليك سلام عليك
د. موسى علي حمد