مرئيات

الشاعر والمطوع محمد بن سيف مساعد المرر ..أبن بحر أبوظبي ومضارب ليوا

بقلم /أنور بن حمدان الزعابي  ــ  كاتب وشاعر إماراتي

*أحد أبناء أبوظبي الذين عايشوا الحياة القديمة بحلوها ومرها وبكل معاني الصبر والجلد والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن كان الشاعر يكد ويكدح طلباً للرزق والكفاح في سبيل العمل الجاد المثمر فكان علماً بارزاً في هذا المجال فهو من مواليد 1927 .

يقول لقد عايشت فترة الغوص سنوات عديدة بدأتها وعمري 9 سنوات حيث كان والدي في تلك الفترة نوخذة وأخذني معه وأنا صغير حتى أتعلم الصبر والتحمل على المشاق والمعاناة الشديدة فكنت أساعد السيوب والغاصة أناولهم الماء والتمر واستمع لهم وآخذ منهم النصائح والعبر والدروس التي أشاهدها على الطبيعة وتعلمت فلج “المحار” ثم بدأت في تعلم الغوص في أعماق البحر. وكانت فترة عصيبة لم استطع أن أتحملها ولكن مع المزاولة اليومية أصبحت أغوص في بحور عميقة منه بحر 6 إلى بحر 10 وغصت في العديد من الهيارات. والغوص عندنا متوارث أباً عن جد ولازلت أذكر أن هناك مغاصات وهيارات مثل أم جنه والمشعاب ومدورة بن خنيفر وبالقطايط. وبالطبع الغوص رحلة كفاح ومشقة ومعاناة تمتد إلى ما يقارب ثلاثة أو أربعة أشهر.

من الأخطار التي تعترضنا في رحلة الغوص كانت الرياح الشديدة التي قد تقلب السفينة وتعرض للخطر كذلك فإن الغواص وهو في قاع البحر قد يهاجمه سمك القرش “اليريور”  وكثيراً ما وقعت مثل هذه الحوادث التي راح ضحيتها بعض “الغواويص” الغواصين .وأتذكر أن أحدهم التهم القرش رجله بأكملها وآخر ابتلعته القرش كاملاً .

وعندما تشتد الرياح نلجأ إلى أقرب جزيرة في البحر حتى تهدأ ونعود إلى المغاصات مرة أخرى .فكنا ننام في الهير إذا فاجأتنا الرياح ليلاً حيث نقوم ونمد الشراع نتجه إلى أقرب موقع يرى كجزيرة مثلاً.

وأتذكر أنني مع بداية غوصي الأول تعرضت للاختناق الشديد ولكن بقدرة الله تمكنت من الخروج من الماء.

عندما بلغ عمري 20 سنة توفي الوالد رحمه الله وأصبحت أنا النوخذة على السفينة وكان العمل شاقاً وصعباً بعض الشي ويجب أن نتحلى بالصبر والجد والمثابرة والمعاملة الحسنة لأن هذه المهنة تتطلب قيادة حكيمة تراعي بها ظروف الغواصيين.

أخذت اليزوا أي جماعة الغوص وفوضتهم وركبنا في يوم حار الشمس فيه تصهر الحديد وودعنا الأهل والأحياء والخلان وكنت في هذه الفترة نوخذة مظلاً أي أشارك السيوب والغواويص أعمالهم في حالة مرض أحدهم مثلاً، أما بعض النواخذه فإنهم لا يرحمون حتى الغواص المريض بل أنهم يجيرونه على الغوص حتى ولو كان بالضرب.

والحمدلله لم أكن من هذا النوع بل كنت أصبر عليهم في جميع الحالات حتى بقيت في العمل ثمان سنوات حتى توقف الغوص سنة 1949.

العمل في شركات البترول

في عام 1950 اتجهت للعمل في شركات البترول في رأس الصدر واشتغلت هناك عاملاً أنقل الاسمنت والمواد الصناعية وكان أول راتب اتقاضاه بعد الغوص هو 75 روبية هندية في ذلك الوقت بعدها ترقيت إلى معاون سائق كرين وأكملت في هذا العمل عشر سنوات حيث قلت عن هذه الفترة في إحدى الليالي الشتائية الباردة وأنا بعيد عن الأهل والجماعة هذه القصيدة:

بديت باسم الي خلق كل ما صار

الله حافظ ما يشاء كل مذكور

يالله يا مولاي علام لسرار

لني دخليك من وذا كل مضرور

أول شبابي كنت في لح البحار

وآخر بهذا الكم جايم ومحكور

أناجي الشر على كل مدار

من حيث لن القلب به حامي اكسور

زاد اشتغاله في نوى قاصد دار

اللي ودادك في حشايا له قصور

بعد العمل في شركات البترول اشتغلت عند الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان وكنت سائقاً أنقل الضيوف وأجلب المؤن والحطب وغيرها من الأعمال كذلك في الصيف اتجه إلى مدبنة العين واشتغلت هناك لدى صاحب السمو المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه .كذلك اشتريت سيارة جيب في عام 1960 وكنت أنقل فيها سكان أبوظبي إلى مدينة العين وذلك في أيام الصيف حيث أنهم يقيضون هناك بجانب مزارعهم وحقولهم وكانت الطرق وعرة ورملية والسير فيها بصعوبة شديدة.

رحلة الصيف إلى العين

انتقالنا قديماً كان على ظهور مطايا الهجن وكانت الرحلة تستغرق 10 أيام تقريباً وأتذكر أن ناقلنا حمد بالحايمة وسعيد بن تريس حيث ننتقل من أبوظبي و قد أعددنا الأكل والفراش والأغراض والمؤن على ظهور الجمال وكانت الرحلة رغم صعوبتها مشوقة تتخللها الأهازيج والأغاني الرزفات والقهاوي

وننام في الصحراء ثم نقوم مع الأذان ونصلي الفجر وتعد النساء الأكل وقبل الشروق بقليل نكون قد مشينا وعندما تصل العين مكان المقيض نشتري الدعون لبناء العرش وهي من سعف النخيل كي تسكن فيها، وكانت قيمة الدعن الواحد في حدود درهمين ثم تتجه إلى النخيل وأول ما يكون جني الرطب يكون من نخيل النقال. وفي ليالي الصيف تحلى جلسات السمر وتداول الحكايات والنوادر وكنا نسكن في القطارة وكانت النساء ينقلن الماء في جرار كبيرة على رؤسهن من الفلج والبعض منهن كن ينقلن الماء على ظهور الحمير

وكان أغلب الرجال يقضون اشهر الصيف في الغوص وقلة منهم يقيضون في العين. وفي احدى المرات توجهت إلى جيراني أعاتبهم لأنهم ذهبوا إلى السوق مشياً دون أن يخبروني فقلت هذه الأبيات:

قصران منكم يا جيراني

للسوق مشاية تسيرون

السمت نبغي والمعاني

ولا المزاهد هب في لعيون

في القيض يجمعنا الزماني

ولا الشتاء عنا تشومون

وبعد العودة من الصيف كنا نسكن على البحر مكان كورنيش أبوظبي الحالي

في منازل مبنية من سعف النخيل وتتجه إلى الصيد من البحر وكانت النساء ينقلن الماء من غربي قصر الحصن الحالي وتسمى هناك “نخل الشيوخ”

أتغنى بالشعر

الشعر تأثرت به عن طريق أحد الشعراء الكبار في ذلك الوقت وعلى ما أتذكر اسمه بسرور حيث كنت أجالسه وكان عمري 20 سنة وأول ما هزني الشعر عندما سمعت قصيدة غزلية جميلة فيها معاني عن الحياة والحب والجمال وتأثرت حقيقة بهذه القصيدة وذهبت لاختلي بنفسي ونظمت بعض الأبيات على نفس وزن وقافية الشاعر سرور حيث قلت:

ونيت ونه باطنية

يا سرور يوم الثالث الليل

كاتم و علاتي غبية

وارصد انجوم الياه واسهيل

يارد هبوب العقربية

ياني هواها تالي الليل

أيضاً جادلني أحدهم يوماً قائلاً انته مطوع وشاعر فرديت عليه بهذه الأبيات:

أنا مطوع وشاعر في خير

ولا هو من اصحاب النميمة

واجد في من طول السير

شروى الذي يبغى قديمه

وادلها محارة الهير

واجيبها لو هي عديمه

حفظت القرآن الكريم وتعلمته وختمته على يد المطوع علي السيد

والمطوعه ناجفه وكان هؤلاء يدرسون الأولاد والبنات في كتاتيب القرآن

وأصبحت أؤم الناس في الصلاة واقرأ القرآن الكريم على بعض المرضى

ولكنني لم أسلك في التعليم المراحل الأخری.

أيام العيد وأفراحه العيد

قديما كانت له نكهة خاصة ولذيدة ورغبة محببة في النفوس لانستطيع التخلي عنها وحلاوتها تكمن في تقارب الناس بعضهم البعض وتراحمهم وتعاضدهم وتكاتفهم في جميع الأمور. فالأخ يحب أخيه والولد يحترم والده والأكبر منه سناً.ويبدأ يوم العيد بالصلاة في المصلى ثم السلام على الشيوخ والوجهاء وأعيان البلاد حتی يذهب الجميع إلى مبنى قصر الحصن الحالي،

وهناك تتجمع القبائل للسلام على الشيوخ فتاتي القهوة والموائد العامرة بالأكل مثل الهريس والثريد وغيره .ونطوف الأحياء للسلام على الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب كذلك ،نشاهد الأولاد والبنات يغنون على المراجح كذلك ،في مكان السوق الحالي كانت تقام مباريات الخيول العربية الأصيلة ، وتقام سباقات أمام قصر الحصن الحالي بحضور أصحاب السمو الشيوخ وفي ذلك الوقت مثل الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان والشيخ هزاع بن سلطان آل نهيان وجمع غفير من المواطنين. وأنني أتحسر على أيام الصيد في ذلك الزمان القديم وقلت هذه القصيدة عن العيد:

يا عيد سوولك مواعيد

الا ثلاث ايام بالدون

والدرفان وين يا عيد

ووين البنات الي يغنون

اصواتهم تسمع من بعيد

وحتى العواق الي بك تهون

والخيا تصبح في الميادين

باخوان شما الي يلبون

وأيام الأعراس فرحة ومباهج للنفوس التي تجمع الناس على الخير والتكاتف بينهم والتعاون حيث أن المعرس قديماً يلبس كندوره بيضاء وغترة بيضاء ويكون في أجمل حلوه والأعراس كانت لا تكلف ٢٠٠ درهم وأتذكر أن أحدهم تزوج أربع نساء ب٨٠٠.

وكذلك يقام في الليل ويكون كتب الكتاب (الملكة) في نفس الليلة ويتم تحضير العروس للعرس سبعة أيام ثم تقام احتفالات مثل الرزفة والعيالة، كذلك يكون الأكل في الحي الواحد كل يوم عند جماعه والناس في تعاون دائم والخير الكثير.

من الذكريات الشعرية:

كنت أتذكر بعض الأهل والأقارب وكتبت هذه الأبيات وهي عباره عن مناجاة:

من هجركم شفني صويب ومحتار

يا غاية المطلوب يا سيد الحور

الحر ما يرضى بصيدات اصغار

عقب الحبارى ماتبهنس بعصفور

صلاة ربي عد ماهل المطار

واعداد ما صاحت صرانيخ ليرور

عندما كنت أعمل في آبار البترول البرية كنا نذهب بعد انتهاء ساعات العمل

وعند حلول المساء إلى جماعه من البدو نتعلل عندهم في جلسات طيبة فيها الحكايات والسوالف، وفي ليلة من الليالي ذهبنا كعادتنا ولكن لم نجدهم وتأثرت بهذا الموقف عندما رأيت خيامهم مظلمة وضوء <<الفنر>> الفانوس غير مضئ فقلت هذه الأبيات مواسياً صاحبي:

يابوبطي وين الرجيي

النجم لي له فالسما أنوار

وقف نصيبك مع نصيبي

وكله تنيح خله لدار

الوقت لو يرويك طيبي

اتراه في تاليه غدار

كذلك ناديت صديقي السيد الوجيه راشد بن عويضه القبيسي في جلسات كثيرة وأبدعت :

يا بو سنيده يا خويه

هات القلم بكتب تماثيل

اهموم تضاول عليه

ماطاب يومي عقب المجيل

باسير لو عندي مطيه

بتبع ظعونه بالمقاييل

وحتى الحطب والماء عليه

بعدل افراشه عن يميل

لابد لايزقر عليه

في قند الفنجان بالهيل

صدف ومواقف

أتذكر أنني عندما حاولت أن أغوص في البحر إلى أعماق بعيده جداً مثل بحر عشرة نزلت إلى الماء ووصلت حتى القاع وبالطبع المسافة طويله جداً شعرت عندها بنوع من الاختناق الشديد وحاولت أن أطلع ولكن دون جدوى شعرت بدوخه وكدت أفقد وعيي وفجأه تنبه السيب للموقف وسحبني وأنا لا أعي وهذا الموقف مازال حاضرا أمامي.

وأيضاً اتذكر أن أحدهم وجماعته كانوا يجرون الليخ <<شباك الصيد>>

في البحر فنزل أحدهم إلى أعماق البحر ولم يظهر ويأسوا منه صحبه وأيقنوا أنه هلك في الأعماق لا محاله فجدوا في البحث عنه حتى وجدوا سمكة قرش عملاقه في شباك الصيد فتمكنوا منها وسحبوها إلى الشاطئ وهنالك لاحظوا انتفاخها ففتحوا بطنها فاذا بالصياد في داخلها سليماً الا انه فاقد الوعي

فاخرجوه وجعلوا يساعدونه حتى أفاق وهو في حالة ذهول لا يدري ما حصل.

(رحم الله  الوالد محمد بن مساعد المرر الذي توفي منذ عدة  سنوات وهذا حوارنا معه قبل وفاته ننشره فهو قديم متجدد )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى