أخبار عربية ودولية

باحث أمريكي: هل تعوق سياسة أوباما الفاشلة بشأن سورية خطط إدارة بايدن في الشرق الأوسط؟

واشنطن-(د ب أ):
في الوقت الذي يستعد فيه فريق الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لتولي مقاليد الأمور فعليا في البيت الأبيض الشهر المقبل، يترقب الكثيرون في أنحاء العالم كيف ستمضي السياسة الخارجية للولايات المتحدة إزاء العديد من القضايا العالمية والإقليمي.

وفي ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط: هل تشكل المسألة السورية، وخاصة معضلة بقاء بشار الأسد في سدة الحكم، أولوية على جدول أعمال سياسة واشنطن الخارجية في ظل الإدارة الجديدة، ضمن العديد من القضايا الأخرى في المنطقة؟ وهل يتبع بايدن نهجا جديدا في التعامل مع نظام بشار الأسد على نحو يمثل اختلافا عن سلفيه، الرئيس السابق باراك أوباما، والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب؟

ويرى الباحث الأمريكي، مارك إبيسكوبوس، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية أن هناك اعترافا متناميا داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بعدم وجود مسار سياسي واضح لإزاحة بشار الأسد من السلطة.

ويتساءل إبيسكوبوس: بعد مرور أربعة أعوام من محاولات فك الارتباط في عهد الرئيس الأمريكي (المنتهية ولايته) دونالد ترامب، هل تشير المرحلة الانتقالية صوب إدارة بايدن بالعودة إلى استراتيجية الضغط الأقصى ضد الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد؟

وأشار الباحث إلى مقابلة جرت في آيار/مايو من عام 2020، مع المرشح لمنصب وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة بايدن، أنتوني بلينكن، والذي أشار فيها إلى أن سياسة الرئيس السابق أوباما بشأن سورية “فشلت”.

وفي معرض رده على سؤال بشأن نهج بايدن تجاه سورية، قال بلينكن: “على المرء أن يقر بأننا فشلنا، في ظل الإدارة الأخيرة، ليس بسبب عدم المحاولة، ولكننا فشلنا. فشلنا في الحيلولة دون حدوث خسائر مروعة في الأرواح، و في منع النزوح الضخم داخليا للشعب في سورية، وبالطبع خارجيا كلاجئين. وهذا أمر سأحمله معي ما بقي من عمري. إنه أمر أشعر به بقوة.”

ولكن، ما هو بالضبط الفشل المقصود في سياسة إدارة أوباما، وماهي هي الدروس التي يحملها ذلك لوزير الخارجية في الإدارة القادمة؟ وما هو النهج المختلف الذي كان يتعين على إدارة أوباما أن تتبناه كي “تحقق بعض النتائج الإيجابية في سورية؟”، بحسب بلينكن.

ولكن الدبلوماسي المخضرم الذي كان مسؤولا بارزا في مجال السياسة الأمنية في إدارة أوباما، لا يقدم إجابات.

وكتب إبيسكوبوس إن بلينكن بدا في مقابلة في وقت سابق، وكأنه يلقي باللوم على مجموعة من القوى الخارجية، حيث قال: “اعتقد أن هناك كثيرا من اللوم يتعين توجيهه، بداية بالسوريين أنفسهم، وبداية من إيران وروسيا ومناصري نظام الأسد الآخرين، وبداية من جميع الدول العربية، والدول المجاورة الأخرى.”

وأضاف بلينكن: “نتحمل مسؤولية أيضا”، لكنه أشار في نفس الوقت إلى “عبء الحرب العراقية” و”التدخل الصعب في ليبيا”، لتفسير عدم وجود حماس لتدخل عسكري أمريكي في الحرب الأهلية بسورية.

ويرى إبيسكوبوس أنه يبدو أن بلينكن يشعر بالندم على هذه النتائج، وليس على الاستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما والتي تمثلت في تعزيز الضغوط الدولية والعسكرية للدفع باتجاه التفاوض من أجل إزاحة الرئيس الأسد من السلطة. وفي تشرين أول/أكتوبر من عام 2015، أكد بلينكن دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سورية، حيث قال آنذاك: “لدى روسيا حافز الآن، ومزيد من النفوذ لدفع الأسد ونظامه صوب مرحلة انتقالية. هناك اعتراف من جميع الأطراف بعدم وجود حل عسكري في سورية، وهو اعتراف يتنامى لدى الروس حاليا.”

وفي معرض رده على سؤال عما إذا كان رحيل الأسد يمثل شرطا مسبقا لإجراء مفاوضات أساسية، أجاب بلينكن: “ليس مطلبا أساسيا، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى رحيل الأسد.”

وبعد مرور خمسة أعوام، يشير الباحث الأمريكي إلى اعتراف متنام داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بعدم وجود مسار سياسي واضح لإزاحة بشار الأسد من مقاليد السلطة في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، ليس من المرجح أن يشكل الصراع المتواصل في سورية أولوية على جدول أعمال السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية القادمة. فلقد سعى الأسد على نحو مطرد إلى تعزيز قبضته على السلطة بدعم من روسيا، كما أن المعارضة السورية “المعتدلة” التي روج لها أوباما، صارت عنصرا غير عامل الآن في عام 2020، وكذلك جرى في أعوام سابقة احتواء التهديد المتزايد لتوسع تنظيم داعش في الأراضي السورية.

ولكن، ما العمل الآن؟ إن الاعتراف بحكومة بشار الأسد من قبل الإدارة الأمريكية، أمر ليس مطروحا للنقاش، بحسب بلينكن الذي قال لدى سؤاله عما إذا كان من الممكن أن تقدم إدارة بايدن على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد: “من الناحية العملية، يكاد يكون من المستحيل بالنسبة لي أن اتصور حدوث ذلك.”

ورغم أن آفاق إحداث تغيير للنظام في سورية على نسق ما جرى في ليبيا، ضئيلة للغاية، ثمة مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بالاستمرار في استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد.

وحدد بلينكن ملامح هذا النهج في مقال رأي لصحيفة “نيويورك تايمز” في عام 2017، حيث كتب: “الآن، لدى إدارة (الرئيس الأمريكي ترامب) نفوذ يتعين عليها أن تختبر قوته مع نظام الأسد وروسيا لتحجيم سلاح الجو السوري، ووقف أي استخدام للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وتنفيذ وقف فعال لإطلاق النار في الحرب الأهلية بسورية، بل والتحرك صوب انتقال للسلطة يجرى التفاوض بشأنه- وهي أهداف استعصت على إدارة أوباما.”

وتمثل الملمح الثاني للاستراتيجية التي اقترحها بلينكن بشأن سورية في استخدام الأسد بالوكالة في إطار تحقيق هدف أوسع نطاقا، وهو مواجهة روسيا، حيث أضاف: “على الإدارة (الأمريكية) أن توضح لموسكو أنها ستحملها مسؤولية استمرار أفعال الأسد، ودفع الآخرين للقيام بنفس الأعمال وشن مزيد من الضربات حال الضرورة”، ودعا إلى أن يُفرِضْ على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دفع مقابل دعمه العسكري والسياسي المتواصل لحكومة الأسد.

وتوقع التقرير أن تقوم إدارة بايدن بتوسيع نطاق العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على الأسد، وليس فقط الاحتفاظ بها. وبشكل شبه مؤكد، سيتضمن هذا النهج الاحتفاظ بوجود عسكري نشط في سورية لدعم الأكراد كخازوق دائم ضد الأسد وضد الكرملين. كما أنه من المرجح أن تلعب إدارة بايدن دورا نشطا في عملية إعادة الإعمار الجارية في سورية، وربما الدفع باتجاه إجراء إصلاحات سياسية من شأنها أن تكفل منح الفصائل السورية المناوئة للأسد صوتا يتمتع بالحماية داخل دوائر المجتمع المدني في سورية.

وبدا أن الرئيس المنتخب بايدن قد أقر خلال فعالية أقامها “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي، بأن جهود الرئيس السابق أوباما لحشد دعم الكرملين لـ “عملية انتقال للسلطة” بعيدا عن الأسد، لم تؤت ثمارها، وبدلا من ذلك طرحت ما بدا كترتيبات بشأن “مناطق نفوذ” مع موسكو.

وقال بايدن آنذاك: “لذلك اعتقد- رغم أن هناك طرقا يمكننا من خلالها، في الواقع، العمل مع روسيا لانتزاع أجزاء من البلاد، بشكل أساسي- أنها ستكون دولة مقسمة لأمد طويل… أرى أنه ليس هناك مبدأ يمكن أن يحقق الوحدة في سورية. لا يوجد.”

وأضاف بايدن: ” وهكذا أرى أين يمكن للمرء العمل من أجل إيجاد مكان يوجد به ملاذ آمن على نحو أساسي لأجزاء معينة من هذه البلاد، كما يمكنه أن يخفض بشكل كبير عدد الذين يجرى تهجيرهم وقتلهم. حاولنا ذلك، وهم لم يعملوا بشكل نزيه هناك”.

وفي ختام التقرير، أكد إبيسكوبوس أنه لا يزال يتعين على الإدارة القادمة أن تحدد استراتيجيتها للعبة النهاية فيما يتعلق بحكومة الأسد، وقال إن هناك أمرا واحدا يظل جليا، وهو أن الضغط الأقصى، والتوسع المحتمل في الوجود الأمريكي في سورية، وجدا ليستمرا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى