الكاتب الأمريكي بوبي جوش: السودان بحاجة إلى أكثر من مجرد “إعراب عن القلق” من جانب أمريكا
نيويورك-(د ب أ):
أثار ما شهده السودان يوم الاثنين من تطورات مفاجئة ردود فعل متباينة، ركزت معظمها على دعوة الأطراف المعنية إلى ضبط النفس، وإطلاق سراح جميع المحتجزين في السودان. وفي الوقت نفسه، اتسمت بعض ردود الفعل الدولية برفض ما أقدم عليه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
وفي تقرير نشرته يوم الثلاثاء وكالة بلومبرج للأنباء قال الكاتب الأمريكي بوبي جوش أنه يبدو أن البرهان يعتقد أن دونالد ترامب لا يزال يعيش في البيت الأبيض أو أن بنيامين نتنياهو لا يزال في مقره في شارع بلفور.
وأشار جوش إلى أنه من الواضح أن الجنرال السوداني “يعوّل على هواجس السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق وانتهازية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ليفلت بالانقلاب الذي قام به”.
وأضاف أن الأمر متروك بأيدي الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ليثبتا للبرهان أنه على خطأ.
ويقول جوش :”لم يكن الرئيس السابق ترامب يهتم كثيرا بالديمقراطية في أي مكان، ناهيك عن ما وصفها بـ/الأوكار القذرة/ في إفريقيا والعالم النامي. ورغم أنه لم يكن مهتما على الإطلاق بالسودان، فقد أصبحت إحدى الدول الموقعة على اتفاقات أبراهام التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
وحتى بعد أن أنهت حركة مؤيدة للديمقراطية دكتاتورية الرئيس السابق عمر البشير قبل عامين، تلكأت إدارة ترامب في إخراج السودان من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو الإدراج الذي حرم الدولة الفقيرة من الحصول على المساعدات والاستثمارات التي تحتاجها.
وحتى بعدما تسلمت حكومة انتقالية بقيادة الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك السلطة وقامت بسلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية الاستثنائية، لم تحصل إلا على القليل من الدعم من واشنطن.
إلا أنه عندما أراد ترامب إعطاء المزيد من الثقل لاتفاقات أبراهام، أرسل وزير خارجيته مايك بومبيو إلى الخرطوم برسالة واضحة مفادها أن تصنيف رعاية الإرهاب سيظل كما هو حتى يعترف السودانيون بإسرائيل. واستسلمت الحكومة الانتقالية للضغوط، وبالتالي جرى رفع معظم العقوبات الأمريكية.
ولفت الكاتب إلى أنه يمكن بسهولة استنتاج الدرس الذي تعلمه الجنرال البرهان، فمبجرد السيطرة على الحكم أكد التزامه بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومة التي أطاح بها… والرسالة الواضحة التي أراد البرهان إرسالها إلى واشنطن والقدس هي أن “السودان سيبقى في اتفاقات أبراهام، لا تقلقوا”.
وفي ظل الإدارتين السابقتين في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، لربما كان هذا التطمين سببا كافيا لغض الطرف عن التطورات في الخرطوم. إلا أن عبئا يقع حاليا على بايدن وبينيت لإثبات أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن يقبلا باستيلاء الجنرال على السلطة.
وقال جوش إن الجزء الأكبر من العبء يقع على عاتق بايدن، الذي لطالما أكد أنه يتميز عن سلفه بدعمه للديمقراطية والالتزام بحمايتها حول العالم…وبعد أن أخفق في إثبات ذلك بالفعل في أفغانستان، لا يستطيع الرئيس الأمريكي تحمل انتكاسة أخرى في السودان.
أما بينيت، فهو في الأساس لم يقدم وعودا مبالغا فيها بشأن سياسته الخارجية، إلا أن تطورات السودان تمثل فرصة لإظهار أن الصداقة مع إسرائيل أمر أكبر من مجرد توقيع اتفاقات، إذْ يمكنه بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني في هذا الوقت أن يتغلب بدرجة ما على التشكك المنتشر حول اتفاقات أبراهام بين المواطنين في الشارع العربي.
ويتعين على الرجلين البدء في إدانة الانقلاب بعبارات أقوى بكثير من مجرد الإعراب عن “القلق العميق” الذي تحدث عنه جيفري فيلتمان، مبعوث بايدن الخاص إلى القرن الإفريقي يوم الاثنين.
وبينما هناك دلائل على أن الحركة الشعبية التي أسقطت البشير تعيد ترتيب صفوفها الآن للاحتجاج على استيلاء الجنرال البرهان على السلطة، سيتعين على بايدن وبينيت أن يمنحا المتظاهرين دعمهما الكامل، وأن يؤكدا لقوات الأمن السودانية أنه لا تسامح مع ارتكاب عنف ضد المتظاهرين السلميين.
كما يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل إقناع الدول الأخرى التي لها نفوذ في السودان- الدولة المجاورة مصر والداعمين الماليين الرئيسيين الإمارات والسعودية- بالضغط من أجل عودة الحكومة الانتقالية، بقيادة حمدوك أو غيره من القادة المدنيين.
وأوضح الكاتب أن بايدن لديه أدوات أخرى يمكنه التعويل عليها، فالولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الانسانية للسودان. وقد أعلنت وزارة الخارجية بالفعل أنها ستعلق 700 مليون دولار من المساعدات الطارئة لحين مراجعة التطورات التي حدثت بالبلاد.
ويضيف جوش أنه يمكن أيضا للولايات المتحدة التهديد بفرض عقوبات اقتصادية، واستخدام حق الرفض على صرف مساعدات من صندوق النقد الدولي، إلا أن هذا قد يتسبب في معاقبة السودان بأكمله نتيجة لانقلاب البرهان.
واختتم جوش تقريره بالتأكيد على أنه في حال الانقلابات، تماما كما هو الحال في التحقيقات المتعلقة بجرائم القتل، تكون الأيام الأولى بعد الحدث حاسمة، وأنه من خلال تحرك سريع لإثبات اختلافهما التام عن سلفيهما، فإن أمام بايدن وبينيت فرصة لإنهاء أزمة الديمقراطية في الخرطوم.