محلل أمريكي: انسحاب الولايات المتحدة من سورية يخدم مصالحها أكثر من البقاء فيها
واشنطن-(د ب أ):
تعددت أهداف الولايات المتحدة منذ لحظة تدخلها عسكريا في سورية عام 2014 ما بين دعمها للمعارضة وقوات سورية الديمقراطية خلال الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد إلى محاربة تنظيم داعش، حتى أنها استهدفت كذلك مواقع عسكرية تتبع الحكومة السورية، وبات التساؤل المطروح حاليا هو: هل وجود الولايات المتحدة هناك يخدم مصالحها؟
ويقول الباحث والمحلل الأمريكي مايكل هول في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، قوبلت هذه اللحظة بمزيج من الترحيب والشجب باعتبارها نقطة تحول من شأنها أن تبشر بسلسلة من الانسحابات العسكرية الأمريكية في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن توجيه استراتيجيتها الكبرى.
وأشار إلى أنه من المؤكد أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن حول إنهاء حقبة من “الحرب التي لا هوادة فيها” قد دعت إلى هذا التفسير. ولكن بعد شهرين من مغادرة آخر جندي أمريكي كابول، تقدم الإدارة الأمريكية الآن ضمانات بأنه لن يكون هناك انسحاب أمريكي من سورية، حيث يشارك الأمريكيون في “حرب لا هوادة فيها” أخرى.
ويرى هول أن هذه الوعود بالبقاء في سورية تمثل خطأ استراتيجيا والتزاما بمهمة غير مستدامة ليس لها هدف نهائي محدد بوضوح يمكن تحقيقه.
ويقول إن الدفاع عن الأكراد يبدو أحد العوامل الرئيسية على الأقل وراء قرار الإدارة الأمريكية بتمديد نشر ما يقرب من 900 جندي أمريكي متمركزين في سورية. وفي أيلول/سبتمبر، تم إرسال الجنرال فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، في زيارة غير معلنة للاجتماع مع مظلوم عبدي، قائد قوات سورية الديمقراطية.
وكان الغرض من زيارة ماكنزي طمأنة الزعيم الكردي بأن قواته يمكن أن تعتمد على الدعم الأمريكي المستمر. وبعد هذا الاجتماع بقليل، التقت إلهام أحمد، المسؤولة الكردية التي تشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطي، بمسؤولين في الإدارة الأمريكية في واشنطن وعلقت في وقت لاحق بالقول: “قالوا إنهم سيبقون في سورية ولن ينسحبوا”.
ويقول هول إنه بدلا من استخدام القوات الأمريكية كحامي لأكراد سورية، سيكون من الحكمة أكثر إنهاء التدخل العسكري الأمريكي في سورية. وعلى خلفية الحرب الأهلية التي لا يمكن تسويتها والتهديدات بتجدد الهجوم التركي ردا على هجمات الميليشيات الكردية، فإن الأكراد ليسوا في موقف يحسدون عليه. وصحيح أن المقاتلين الأكراد قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية في حرمان داعش من أي أرض استخدمها ذلك التنظيم في وقت من الأوقات للمطالبة بالشرعية، لكن اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حركية للدفاع عن الأكراد ضد تركيا، العضو بحلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تستضيف أسلحة نووية أمريكية، أمر غير وارد.
ويوضح هول أنه على الرغم من أننا يمكن أن نكون ممتنين للمساعدة الكردية ضد داعش، يجدر بنا أن نعترف بأنه في حين أن المصالح تتواءم في بعض الأحيان، إلا أنها تتباعد أيضا، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الأكراد، أو أي من غير الأمريكيين، يحق لهم الحصول على الحماية الدائمة التي يوفرها الجيش الأمريكي.
ويرى هول أن المهمة المناهضة لداعش هي في الواقع تمثل تناقضا كبيرا مع المهمة الحالية في سورية. وكان حرمان ذلك التنظيم من الأراضي التي يمكنه العمل منها، هو مهمة محدودة وقابلة للتحقيق، وكانت القوة العسكرية الأداة المناسبة لها. ومع ذلك، تتطلب حماية أكراد سورية إمدادات مستمرة من الموارد والقوى البشرية ولا تطرح شروطا للانتصار يمكن الوفاء بها بما يبرر انسحاب الولايات المتحدة.
وليس من المفاجئ أنه بعد سقوط “خلافة” داعش، كانت المهمة الأمريكية في سورية بلا هدف، الأمر الذي ينبغي أن يثير تساؤلات مهمة للغاية حول سبب مطالبة الجنود الأمريكيين، حتى يومنا هذا، بمراقبة الطائرات بدون طيار والصواريخ والقوافل الروسية في حين يتظاهر المسؤولون في واشنطن بأن نتيجة الحرب الأهلية في سورية يمكن أن تضعف أمن الولايات المتحدة.
ويقول هول إن سورية بصراحة ليست جائزة تطمع بها الولايات المتحدة. ولم تعد فلول داعش المتناثرة هي التهديد الذي شكلته في ذروة تنظيمها ، وهذا التنظيم لديه الكثير من الأعداء الموجودين في المنطقة ، بما في ذلك إيران وروسيا والحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، تميل دفة الحرب الأهلية، منذ بعض الوقت، لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، ويعترف جيران سورية بذلك بشكل متزايد، مع تسارع وتيرة الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات في الآونة الأخيرة.
أما بالنسبة للأكراد، فإن إعلان الولايات المتحدة عن “الانسحاب” من سورية في عام 2019 دفع الأكراد إلى عقد اتفاق سريع مع الحكومة السورية من شأنه أن يوفر لهم الحماية. ويقول الباحث إن ما يمكننا تعلمه من هذا هو أن الأكراد يهتمون بشكل مفهوم بالبقاء على قيد الحياة والحصول على الحماية أكثر من اهتمامهم بمن يقدم تلك الحماية. ومن الممكن أن تشجع الولايات المتحدة القادة الأكراد على اتخاذ ترتيبات للحماية دون توقع أن تبقى القوات الأمريكية إلى الأبد. وفي حال سعى الأكراد مرة أخرى إلى التوصل إلى اتفاق مع دمشق، فإن دعم روسيا للحكومة السورية يوفر رادعا قويا يمنع تركيا من اتخاذ تدابير مفرطة ضد أكراد سورية.
وتكشف نظرة عامة خاطفة عن علاقة الولايات المتحدة مع الأكراد عن تاريخ من التخلي من جانب الولايات المتحدة. ومن المؤسف أن الوعود الأمريكية الأخيرة للأكراد يمكن أن تسهم في هذا النمط. وكما اضطرت الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى الاعتراف بأن الانتشار إلى أجل غير مسمى في أفغانستان أمر غير مستدام، سيصبح من الأصعب إنكار أن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن سورية.
ويختتم هول تقريره بالقول إن الحقيقة الرصينة هي أن الإبقاء حتى على نشر رمزي للقوات الأمريكية في سورية يعرض حياة الأمريكيين للخطر، وينذر بجر الولايات المتحدة إلى صراعات ينبغي على القادة العقلانيين السعي إلى تجنبها. والخيار الأفضل هو الانسحاب من سورية، مع الاعتراف بأنه عندما تختلف المهمة عن المصالح الأمنية المشروعة، يحين وقت التراجع.