مرئيات

الأمل والقيادة

بقلم / الدكتورة فاطمة محمد خميس

الأمل فطرة بشرية واحتياج أساسي يتقاسمه جميع البشر، ومع ذلك فقد يعتري مفهومه الكثير من التعقيد لا سيما إن حاولنا سبره في سياق أحداث عصرنا الحاضر وثقافاته المتداخلة وتغيراته المتواترة. ولا تخفى أهمية الأمل أيضا – بحسب توجيه الكثير من المختصين النفسيين والتربويين – كمنهجية تعليمية سلوكية تعزز شخصية الفرد وتصقله منذ الصغر. وبالمقابل فإن تحديد العلاقة بين مفهومي الأمل والقيادة لا يزال يحتاج المزيد من الدراسة والبحث لفلسفة الأمل تحديدا، تلك الفلسفة العميقة المتعلقة بسمات الأمل كطاقة واحتياج متجذر في التفكير والسلوك البشري. ولعل اتباع منهجية تعتمد التباين الثقافي في تلك البحوث كفيل بإثراء مثل هذه الدراسات برؤى متباينة للأمل فهما وممارسة وتطويعه بالتالي في ممارسات قيادية عالمية أعم.
ومن المحاولات البحثية الغربية المعاصرة في هذا الجانب ما يتصور الأمل مرادفاً للأصالة والشجاعة وتحقيق الأهداف، وهذا الترادف خلاصة دراسات الباحِثيْن مارثا هلاند وبروس ونستون (2005) في تنظيرهم للعلاقة بين القيادة والأمل. وهذا الفهم هو من منظور نفسي يحدّد الأمل بحالة من التحفيز الإيجابي الذي يجمع بين القائد وأتباعه في سعي للوصول إلى أهداف مؤسسية أو مجتمعية. وتُعد نظريات التحفيز وتحديد الأهداف وتحقيقها من الأُسس التي اعتمدها الباحِثان في سبرهما للعلاقة بين الأمل والقيادة، ولا شك أن محاولة تعريف الأمل هو أيضاً من الأسس التي اعتمدها الباحثان في الدراسة. ويعترف الباحثون عموماً أن التحديات المعاصرة مثل التغيرات الديموغرافية، والثورة التقنية بعمومها، والتنوع الثقافي والعَوْلَمي المتنامي، وتأثير كل ذلك على ديناميكيات العمل المؤسسي وعلاقة القادة بأفرادهم من أهم حوافز مثل هذا التوجه التنظيري الحديث.
وفي الثقافة العربية والإسلامية فإن الأمل قيمة لا تتعلق بالأهداف والغايات والتحفيز وحسب، بل هو جزء لا يتجزأ من الشخصية العربية التي دأبت على تلمس الماء والكلأ دون كلل في إحدى أقسى الظروف المناخية على وجه الأرض. فالأمل في ثقافة العرب هو الرجاء المقرون بالتفاؤل والعمل الدؤوب مهما بدت الظروف حالكة والآمال بعيدة. وهذا التجذر التاريخي للأمل في الهوية العربية والمسلمة هو ما يصقل اعتماد الكثير من القادة العرب على التاريخ كحافز واقعي لرصد الفرص في أحلك الحوادث التي تعترض مجتمعاتهم. ولربما تعطي هذه الميزة الثقافية والسلوكية منظوراً مختلفاً لمفهوم الأمل عكس ثقافات تحصر الأمل كضد للقلق والضغوط والمحن الشخصية والمهنية. وبالتالي فإن المزيد من البحث المقارن في مفهوم الأمل وغيره من المفاهيم التي تتعلق بالجوانب النفسية والسلوكية للإنسان كفيل بتلمس سبل مبتكرة وجديدة للقضايا الشائكة والمتصاعدة في ديناميكيات القيادة المؤسسية والمجتمعية والسياسية وغيرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى