أخبار عربية ودولية

ضحايا هجوم بالغاز في سوريا لا يزالون ينتظرون العدالة

إدلب (سوريا)/بيروت-(رويترز):
يروي عبد الحميد اليوسف كيف فقد 25 فردا من عائلته، بينهم زوجته وتوأماه الرضيعان، عندما هوجمت بلدتهم السورية بالغاز السام في عام 2017، وهو هجوم خلص تحقيق مدعوم من الأمم المتحدة إلى أنه من تنفيذ الدولة السورية.

قال اليوسف (33 عاما) عن الهجوم بغاز السارين الذي شهدته بلدة خان شيخون “في ثوان أُبيد كل شيء. الحياة أُبيدت تماما”. وكان الهجوم واحدا من عشرات الهجمات التي تردد أن أسلحة كيماوية استُخدمت فيها خلال الحرب الدائرة في البلاد منذ 11 عاما.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان ومقرها نيويورك إن ذلك القصف الذي شهده شمال غرب سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة أسفر عن سقوط 90 قتيلا على الأقل، بينهم 30 طفلا.

في تلك الأثناء كانت روسيا والصين، حليفتا سوريا، قد استخدمتا حق النقض من أجل عرقلة جهود الأمم المتحدة لفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

وفي ذكرى مرور خمسة أعوام على هجوم خان شيخون، يحذر ناجون وناشطون في مجال حقوق الإنسان من أن عدم محاسبة أحد عن جريمة الهجمات الكيماوية في سوريا يمكن أن يشجع على المزيد.

وحذرت الولايات المتحدة ودول أخرى من أن روسيا قد تنشر ذخائر كيماوية أو بيولوجية خلال غزوها أوكرانيا، لكنها لم تقدم أدلة ملموسة على مخاوفها. ونفى الكرملين تلك التصريحات ووصفها بأنها “أسلوب من أساليب صرف الانتباه”.

قال اليوسف “لا يوجد رادع لروسيا لاستخدام أي سلاح لديها للوصول إلى هدفها”.

ويطالب اليوسف بمحاسبة الرئيس السوري بشار الأسد ويقول “برغم تقديم الشهود، برغم تقديم الأدلة، وإيصال جميع الأدلة إلى الأمم المتحدة وإلى الجهات المعنية، لليوم ما في محاسبة لبشار الأسد”.

وتنفي حكومة الأسد استخدام أي أسلحة كيماوية في الحرب التي بدأت في صورة انتفاضة على حكمه قبل أن تتحول لحرب سقط فيها ما لا يقل عن 350 ألف قتيل. ووقّعت سوريا عام 2013 على معاهدات دولية تحظر استخدام مثل هذه الأسلحة.

تفاصيل الهجوم على خان شيخون محفورة في ذاكرة اليوسف، بداية من أزيز الطائرات التي وجهت ضربات إلى البلدة في الساعة السادسة والنصف صباحا.

انطلق اليوسف لمنزل أبويه في محاولة لنقل عائلته إلى بر الأمان. واصلت زوجته التحرك بينما توقف هو لمساعدة جار كان يصرخ طلبا للعون.

قال إنه ساعد في نقل الضحايا إلى سيارة بيك اب، وكانت رغاو تخرج من أفواه بعضهم.

فقد اليوسف وعيه وهو يحاول مساعدة ابنة أخيه. أفاق في المستشفى بعد ساعات، ليدرك حجم الكارثة عندما عاد للمنزل بعد ظهر ذلك اليوم.

قال “غرف صار فيها شهداء. لم أعرف مين بدي أودّي: أخويا والا ولاد أخويا والا ولادي والا زوجتي. كانت لحظات كتير صعبة. مستحيل أي إنسان يقدّر الفاجعة. مثل يوم القيامة”.

وردت إدارة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي آنذاك، بإطلاق 59 صاروخ كروز على المجال الجوي الذي قالت إن الهجوم انطلق منه.

وبعد مرور ستة أشهر، أورد تقرير صادر عن آلية تحقيق أنشأتها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن الأعراض التي ظهرت على الضحايا تتوافق مع أعراض حالات التسمم واسعة النطاق بغاز السارين.

وقالت إنها “على يقين من أن الجمهورية العربية السورية مسؤولة عن إطلاق السارين في خان شيخون في 4 أبريل 2017”. وسيطرت القوات الحكومية على البلدة عام 2019.

وبعد مرور خمس سنوات، يقول اليوسف إن آثار الهجوم لا تزال تعاوده وإنه يفقد الوعي أحيانا حين يشم روائح قوية مثل رائحة الكلور المستخدم في التنظيف بالمنازل. إلا أن الأثر الأكبر هو الأثر النفسي والعيش في خوف دائم.

ويقول البروفسور ألستير هاي خبير الأسلحة الكيماوية إن الآثار التي يمكن أن تظل لدى الناجين من الهجمات بالسارين تشمل مشاكل دائمة في الرؤية وفي الجهاز الهضمي واضطرابات ما بعد الصدمة.

قال “الأثر الرئيسي عادة ما يكون الموت الكارثي، وعلى نحو سريع جدا”، مضيفا أن هناك حاجة للمزيد من البيانات حول التبعات طويلة المدى للتعرض لهجمات بالأسلحة الكيماوية.

وفي وقت الهجوم، قالت روسيا التي دعمت الأسد عسكريا في عام 2015 إن المواد الكيماوية تخص المعارضة السورية لا الحكومة. وقال الرئيس فلاديمير بوتين إنه يعتقد أن واشنطن كانت تخطط لمزيد من الضربات الصاروخية وأن المعارضة المسلحة كانت تخطط لشن هجمات بالأسلحة الكيماوية.

– هجوم يوحي بأن فاعله طرف آخر

حذرت الولايات المتحدة من أن روسيا ربما تحاول شن هجمات توحي بأن فاعلها طرف آخر في أعقاب غزوها أوكرانيا في أواخر فبراير شباط.

واتهمت واشنطن وحلفاؤها حكومة بوتين بنشر ادعاء دون دليل بأن أوكرانيا لديها برنامج أسلحة بيولوجية كمقدمة لاحتمال شن هجوم بيولوجي أو كيميائي من جانب روسيا.

ولم يقدم البيت الأبيض دليلا على أن روسيا تخطط لمثل هذا الهجوم. كما لم يقدم الكرملين أي دليل على زعمه أن أوكرانيا تستعد لاستخدام أسلحة كيميائية.

وتقول روسيا إنها تشن “عملية عسكرية خاصة” لنزع سلاح جارتها الغربية وتنفي أن قواتها تستهدف مدنيين.

وقد شهدت سوريا بعضا من أشد حالات استخدام الأسلحة الكيميائية منذ الحرب العالمية الأولى.

وقال مصدر مطلع إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقق في حوالي 150 حالة استخدام مزعوم لأسلحة كيميائية في سوريا، وهناك 20 حالة مؤكدة لاستخدام هذه الأسلحة.

وخلصت تحقيقات الأمم المتحدة وفريق التحقيق الخاص التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن القوات الحكومية السورية استخدمت براميل غاز الأعصاب والكلور المتفجرة في هجمات بين عامي 2015 و2018. كما وجد المحققون أن تنظيم الدولة الإسلامية استخدم أسلحة كيميائية في سوريا.

وكان أشرس هجوم بغاز الأعصاب في الحرب حتى الآن في عام 2013 على الغوطة التي كانت تسيطر عليها المعارضة بالقرب من دمشق، مما أسفر عن مقتل المئات لكنه لم يسفر عن أي رد عسكري غربي. وحالت وساطة موسكو في اتفاق لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية بحلول العام التالي دون تنفيذ تهديد بضربة صاروخية أمريكية.

وخلص العديد من الدبلوماسيين ومفتشي الأسلحة لاحقا إلى أن وعد سوريا بالتخلي عن مخزونها من الأسلحة كان خدعة.

ورأى البعض أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فشل في فرض “خطه الأحمر” في مواجهة استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية.

وقال هاميش دي بريتون جوردون المتخصص في الحروب البيولوجية والكيميائية “في سوريا، كانت حقيقة اختفاء خط أوباما الأحمر تماما بمثابة ترخيص لكل دكتاتور وطاغية ودولة مارقة وجماعة إرهابية باستخدام أسلحة كيميائية”.

وأضاف “كما أعطى ذلك انطباعا لأمثال بوتين بأن الغرب ضعيف وبأن له أن يفعل ما يحلو له دون رادع”.

ولم يرد متحدث باسم الكرملين حتى الآن على أسئلة عبر البريد الإلكتروني من رويترز، كما لم ترد وزارة الإعلام السورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى