لوس انجليس (د ب ا)-
يعد نظام الرعاية الصحية في كوريا الجنوبية من بين أكثر الأنظمة نجاحا في العالم وفقا للكثير من المقاييس.
وذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز أن زيارة أي طبيب يعد أمر سهلا في كوريا الجنوبية، كما أن معدل الوفاة من الأمراض التي يمكن الوقاية منها منخفض. وعلى الرغم من أن معظم المستشفيات والعيادات تديرها جهات خاصة، فإن هناك برنامج تأمين صحي مؤمم يساعد في أن تظل التكاليف في نطاق المعقول.
وتتكلف عملية استئصال الزائدة الدودية 2500 دولار-أقل من خمس متوسط التكاليف في الولايات المتحدة- في ظل تغطية التأمين الحكومي 80% من هذه التكاليف.
ولكن إضراب أكثر من 9000 من الأطباء والمتدربين في أنحاء البلاد طوال أربعة أشهر يؤدي لتأليب المواطنين ضد المؤسسة الطبية.
ويتعلق الجدل بخطة حكومية لإضافة 1497 مقعدا للقبول في كليات الطب-بزيادة بنسبة 48% من أجل تلبية الاحتياجات المتصاعدة للرعاية الصحية في ظل ارتفاع أعمار سكان كوريا الجنوبية.
وتقول الحكومة إنها ببساطة تحاول سد النقص في المجالات الأساسية مثل طب الأطفال أو أمراض النسا، التي يبتعد عنها الأطباء بصورة متزايدة من أجل تخصصات ذات أجور أعلى.
ولكن الأطباء المبتدئين، مدعومين بكبار الأطباء، يقولون إن موجة الخريجين الجدد سوف تقوض جودة التعليم الطبي، مما سوف يؤدي لتعيينات طبية غير ضرورية وإلى انخفاض مرتبات الأطباء.
وقال الطبيب بيتر هان / 30 عاما/ الطبيب المقيم الذي استقال من وظيفته في مستشفى تعليمي كبير في سول في شباط/فبراير الماضي ” بالطبع نحن ندرك حقيقة أن هؤلاء الخريجيين الجدد سوف ينتهى بهم الأمر إلى الانضمام للمنافسة في سوق ممارسة الطب الخاص لاحقا”. وأضاف” هذا الأمر لن ينتج عنه أمرا جيدا”.
وخلال مسيرة في سول الشهر الماضي، نظمتها الرابطة الطبية الكورية، رفع الأطباء لافتات مكتوب عليها ” الزيادة السريعة في أعداد القبول بالكليات الطبية سوف تؤدي لانهيار النظام الطبي”.
ونظرا لأن معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية يعد الأدنى في العالم، فإنه من المتوقع أن يمثل كبار السن 40% من إجمالي تعداد السكان بحلول عام 2050.
وفي ظل وجود نحو 112 ألف طبيب في عام 2022، فإن الحكومة تقدر أنها سوف تحتاج ما لا يقل عن 10 آلاف آخرين خلال العقد المقبل.
وتواجه بعض المجالات نقصا بالفعل. وخلص استطلاع أجرته شركة ميدي سي اند سي المحلية للبيانات الطبية، و شمل 59 من المستشفيات التعليمية، أن إدارات طب الأطفال أخفقت في شغل 152 من 205 وظيفة طبيب مقيم هذا العام. وتواجه إدارات طب الجلدية وجراحات التجميل زيادات في أعداد الأطباء.
ويتهم الأطباء المحتجون الحكومة بأنها لا تأخذ في الاعتبار عامل الذكاء الاصطناعي-حيث يقولون إنه يوما ما سوف يحد من اعتماد الرعاية الصحية على العمالة البشرية.
كما أشاروا إلى أن معظم المشاكل يمكن حلها من خلال زيادة الكفاءة في نظام طالما كان بمثابة زواج بين شبكة السلامة الاجتماعية القوية والسوق الحر. ويزور الكوريون الجنوبيون الطبيب بمتوسط 7ر15 مرة سنويا- أعلى بكثير من أي دولة أخرى، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وعلى الرغم من تصنيفها كمؤسسات تقدم رعاية ثالثية للأشخاص الأكثر مرضا، فإن مستشفيات الجامعات عادة ما تكون مزدحمة بسبب التكاليف المنخفضة وأطباء الرعاية الأولية الذين يقدمون الإحالات حتى بالنسبة للأمراض البسيطة.
وفي المستشفيات الأمريكية الرائدة، يشكل الأطباء المقيمون نحو 14% من إجمالي عدد الأطباء. وفي كوريا الجنوبية، يمثلون نحو 40% من إجمالي الأطباء في المستشفيات التي يتدربون فيها. فهم يتلقون نحو 2900 دولار شهريا أثناء العمل نحو 80 ساعة أسبوعيا، وغالبا خلال نوبات مدتها 36 ساعة.
وقال هان” سيقول الناس، لذلك نحن نحاول تخريج مزيد من الأطباء ولكن المستشفيات لن تعين بالضرورة المزيد منا عندما يكون من المربح تشغيل الأطباء الذين لديهم بالفعل”.
ومع استمرار الاضراب، يخسر الأطباء المعركة أمام الرأي العام. ويعارض أكثر من 80% من مواطني كوريا الجنوبية الإضراب ويدعمون خطة الحكومة، بحسب استطلاع أخير أجرته شركة سازيرن بوست البحثية.
وفي ظل تقارير تفيد بتعرض مرضى السرطان لعراقيل أثناء تلقيهم العلاج، بالإضافة إلى نقل مرضى من غرفة طوارئ لأخرى بحثا عن الرعاية، طالبت بعض الجماعات المدافعة عن حقوق المرضى الحكومة بإلغاء الرخص الطبية للأطباء المضربين على الفور وجلب أطباء من الخارج ليحلوا محلهم.
وحاولت الحكومة إجبار المتغيبين عن العمل العودة لأعمالهم من خلال تهديدات بتوقيع عقوبة قانونية، وهي استراتيجية متشددة يبدو أنها تؤدي لنتائج عكسية.
وقال “يون تاي هو” الخبير في الإدارة الصحية بجامعة بوسان الوطنية ” الحكومة ومجموعات الأطباء يتصرفان بنفس الطريقة، لذلك لا يتم إجراء حوار”. وأضاف” المواطنون أصبحوا ببساطة أداة وغرض في هذه المعركة”.
ومن بين هؤلاء الأشخاص سوه يي سيول التي ولد ابنها كاي / 12 عاما/ بعيب خلقي نادر يطلق عليه متلازمة كليبل-ترينوناي، تسبب نمو ساقه وقدمه اليمني بسماكة ضعف اليسرى، وفي بعض الأحيان تؤدي لحدوث التهاب في الجلد مما يمنعه من الذهاب للمدرسة.
وقالت سوه ” كل ما يستطيع أن يقوم به عندما يحدث ذلك هو البقاء في السرير لمدة 10 أيام مع تناول المضادات الحوية”. وأضافت” وكل مرة عقب زوال التورم، تكون ساقه قد أصبح حجمها أكبر”.
وأدى عدم عمل الأطباء المقيمين في المستشفى الذي يتلقى فيه العلاج في سول إلى وقف تقييمه من أجل الخضوع لعلاج تجريبي لأجل غير مسمى، حيث تقول الأبحاث إنه قد يمنع تفاقم حالته.
وقالت سوه إنها تتعاطف مع الأطباء، ولكنهم يتصرفون بأنانية: ” ألا يتعين أن يفكروا أيضا في المصلحة الاجتماعية، وليس فقط مصالحهم؟”.