إن العمل الجاد هو وحده الذي يحقق النتائج المستدامة ويبقي شعلة الإنجاز مضاءة، والإرادة السياسية الرشيدة هي العنصر الأساسي في استدامة التطوير والرفعة الاقتصادية للدولة، فهي تعمل باستمرار لتطوير الاقتصاد وجعله مستداما بتحقيق التوزان بين حاجات الأجيال وزيادة كفاءة موارد الدولة، ومن أهم عناصر التنمية المستدامة الحفاظ على مستوى مستقر من الطاقة وتنويع مصادرها خاصة النظيفة والنووية منها.
بذات الإطار كانت الرؤية الإماراتية باعتماد استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 واستراتيجية الهيدروجين لتمكين الاقتصاد واستدامته وتنوعه وجعل الاقتصاد أكثر تنافسية وتحقيق الإنتاج والاستهلاك بشكل مسؤول، ومن ضمن هذه الرؤية ظهر المنجز النووي الإماراتي الذي صار واقعا بعد عمل وإصرار استمر لسنوات، فقد بدأت قصة هذا الإنجاز الكبير في عام 2008 حين أعلنت الإمارات عن سياستها في انشاء وتطوير برنامجها النووي السلمي.
في حينها أي عام 2008 -2009 كانت “الفكرة حبرا على ورق” أي فكرة إنشاء محطات طاقة نووية آمنة وصديقة للبيئة وتوفير مصادر نظيفة ومستدامة للطاقة، لتشكل دعامة إضافية للاقتصاد الإماراتي وبذات الوقت توفير الموارد البشرية الإماراتية اللازمة لذلك، ثم تحددت الأهداف العملية بإنشاء المشروع النووي في منطقة البراكة في الظفرة في ابوظبي لتوليد الكهرباء النظيفة، وقد تضمن المشروع بناء أربع وحدات بقدرة تشغيلية تبلغ 1400 ميغاواط للوحدة، وبشكل يلبي أعلى المعايير الدولية للسلامة والأداء والأثر البيئي لتوفير 25 % من احتياجات الإمارات من الكهرباء.
بعد مرور فترة قصيرة نسبيا وبعيدا عن ذكر المسائل الفنية التقنية، في 1 أغسطس 2020 تحقق الحلم النووي وتحول الى نتائج ملموسة، إذ بدأ تشغيل المفاعل النووي الأول من محطة براكة، وفي 19 أغسطس من ذات العام تم ربط المفاعل مع شبكة الكهرباء الرئيسية في الإمارات بعد موائمة المحطة مع متطلبات الشبكة، وفي مارس 2021 بدأ تشغيل الوحدة الثانية من المحطة النووية، وفي يونيو 2022 بدأ تشغيل الوحدة الثالثة، وفي 1 مارس 2024 أعلنت مؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية عن بدء العمليات التشغيلية في الوحدة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية والتي تتولّى شركة نواة للطاقة التابعة للمؤسَّسة مسؤولية تشغيل الوحدات وصيانتها.
ولا تخفى أهمية هذا المشروع العظيمة من الناحية الاقتصادية فقد كانت له نتائج اقتصادية مباشرة من أهمها تنويع مصادر الطاقة وعدم الاعتماد على النفط والغاز فقط ولهذه اثره الكبير على الاستقرار التنموي، كما سيحد المشروع النووي من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً ، ويوفر للشركات المحلية عقود تبلغ قيمتها 17.5 مليار درهم، ويوفر 3 الاف فرصة عمل من نحو 50 جنسية، تتجاوز فيها نسبة التوطين 60% ، ناهيك عن اعداد وتأهيل الكوادر البشرية وتنميتها فقد بلغ عدد خريجي برنامج رواد الطاقة 380 خريج ولازال 125 طالباً وطالبة على مقاعد الدراسة.
كان البرنامج النووي الإماراتي استشرافا ساميا للمستقبل من قبل قادتنا، فقد كان برنامجاً استراتيجياً للبنية التحتية لقطاع الطاقة، وركيزة هامة للتنمية المستدامة والتقدم الصناعي والاقتصادي للدولة، وهو في الواقع حقيقة تاريخية يحق لنا أن نفخر بها، فقد “حققنا نقلة نوعية في قطاع الطاقة الإماراتي وخطوة مهمة على طريق استدامة التنمية، بأيدي كفاءاتنا الوطنية”(محمد بن زايد – حفظه الله).