سان فرانسيسكو (د ب أ)-
تغطي الشعاب المرجانية مساحة لا تتجاوز 1ر0% من البحار والمحيطات، وبالرغم من ذلك، تعتمد قرابة 25% من الكائنات البحرية في حياتها على هذه الشعاب في مرحلة ما من مراحل حياتها، وبالتالي فهي تعتبر بيئة تنبض بالحياة وتزخر بالضجيج والصخب والتنوعات الصوتية.
وقد يتساءل البعض بشأن مغزي أصوات القرقعة والفرقعة والاحتكاكات والتغريدات التي تدوي على مدار الساعة من داخل الشعاب المرجانية، ولكن علماء السمعيات البحرية يؤكدون أن هذه الاصوات تعكس طبيعة الحياة ومدى ازدهارها داخل الشعاب، وقد تساعد هذه الأصوات أنواع الأسماك المختلفة في التعرف على البيئة المحيطة بها، مثل يرقات الأسماك الصغيرة التي تخرج للحياة في المياه المفتوحة بالمحيطات والبحار ثم تتلمس طريقها عبر أصوات الشعاب حتى تصل إليها باعتبارها بيئتها الطبيعية التي تعيش فيها عبر دورات حياتها المختلفة.
وتقول الباحثة إيسلا كيسي دافيدسون المتخصصة في مجال السمعيات الإحيائية البحرية بجامعة كورنيل الأمريكية إن الدراسات الحديثة أثبتت أن الشعاب المرجانية نفسها تعتمد على الأصوات لتحديد أفضل الأماكن الصالحة لنموها، وتوضح أن الشعاب تنمو على مدار آلاف السنين وقد يصل عمرها إلى خمسة آلاف سنة، وهي تنمو في العادة بشكل تراكمي فوق بعضها، وهي بالتالي تعتمد على الأصوات لتحديد المساحات الخالية التي تتيح لها أن تواصل النمو بشكل مستمر، أو معرفة البيئة الأنسب لتواجدها من منطلق وجود شعب أخرى تعيش في نفس المنطقة، ومن ثم فهي تستغل هذه الأصوات لتعديل سلوكياتها الحركية بشكل مستمر.
وأضاف كيسي دافيدسون في مقابلة مع الموقع الإلكتروني “ساينتفيك أمريكان” المتخصص في الأبحاث العلمية أنه مثلما يعتمد البشر وفصائل الحيوان على الأصوات كوسيلة للتواصل والتعرف على البيئة المحيطة، يحدث الأمر ذاته في أعماق البحار، ولكن الاختلاف يكمن في أن الكائنات البحرية تعتمد على أنواع وأنماط مختلفة من الإشارات الصوتية كما تستخدم وحدات استشعار وتعرف مختلفة لرصد هذه الأصوات وتفسيرها، لاسيما وأن الأصوات تكون أسرع بواقع خمس مرات في أعماق البحار مقارنة بسرعة انتقالها في الهواء.
وذكرت كيسي دافيدسون أنها تشارك حاليا في مشروع بحثي عالمي يشارك فيه المئات من علماء السمعيات الإحيائية من مختلف أنحاء العالم بمناسبة اليوم العالمي للمحيطات، وهو “مشروع مراقبة السمعيات السلبية في المحيطات” ويعرف اختصارا باسم WOPAM، ويهدف هذا المشروع باختصار إلى الاستماع إلى أصوات البحار، والربط بين هذه الأصوات وبعضها، وسبر أغوارها مما يساعد في تفسير أنماط حياة الكائنات البحرية التي تعيش داخل الشعاب المرجانية. وأضافت أن عدد المشاركين في المشروع هذا العام يربو على 180 باحثا مختلفا يستمعون إلى أكثر من 400 بقعة بحرية في مختلف أنحاء العالم.
وتقول إن بعض المشاركين في المشروع يعتبرون خبراء في فهم الأصوات التي تقترن ببعض الظواهر البحرية مثل هجرة الحيتان بأنواعها المختلفة على سبيل المثال، وأكدت أنه من الضروري أن نفهم أن أصوات الكائنات البحرية تختلف من مكان لآخر في الأعماق، كما لو كانت لها لغات أو لهجات مختلفة تعتمد عليها للتواصل فيما بينها، كما يحرص الباحثون المشاركون أيضا على تمييز الأصوات الناجمة عن مصادر بشرية والفصل بينها وبين الاصوات التي تصدر من مكونات البيئات البحرية الطبيعية. وتوضح أن هذا المشروع لا يتعلق بالاستماع إلى مكان واحد بعينه لفترة طويلة، بل يحاول الوصول إلى نظرة عالمية شاملة والرد على تساؤلات علمية من خلال الاستماع إلى هذه التسجيلات الصوتية.
وأضافت أنه في إطار المشروع يتم التباحث بشأن كيفية الاستماع إلى أصوات الشعاب المرجانية، حيث أن البعض يفضلون الاستماع إلى هذه الأصوات في سياق موسيقي من أجل الانغماس معها وتحقيق شكل التفاعل المطلوب، أوضحت أنه تم بالفعل هذا العام إشراك عدد من الموسيقيين من بينهم موسيقي مرموق من كولومبيا يدعى أليخاندرو بيرنال، حيث استمع إلى جميع الأصوات التي تم تسجيلها من الشعاب المرجانية وصنع منها سيمفونية صوتية أصلية كنوع من المشاركة أو الانخراط في هذه المبادرة. ووصفت دافيدسون هذا المشروع بأنه عملية مراقبة سمعية سلبية بمعنى أن الباحثين لا يحاولون إضفاء أي تغييرات على البيئة البحرية التي يستمعون إليها، بل يكتفون بمجرد الاستماع. وترى أن هذه المبادرة تظل تخدم جهود الحفاظ على البيئة البحرية من خلال رصد أي تغيرات صوتية تطرأ على البيئات البحرية المختلفة.
وتقول إن كل بقعة بحرية تتميز ببصمة صوتية تختلف عن غيرها، فضلا عن كونها في تغير وتحول دائم ومستمر، ويعود هذا الاختلاف إلى طبيعة الكائنات البحرية التي تعيش أو التي تختفي من بقعة معينة في الشعاب المرجانية. وتؤكد أنه عندما تبدأ الشعاب المرجانية في الاضمحلال بفعل عوامل بيئية أو بشرية، وهو ما يعرف باسم ظاهرة “الأبيضاض”، تخفت الأصوات التي تنبعث منها تدريجيا بفضل انحسار اشكال الحياة البحرية ، وتصبح أصواتها تبدو كما لو كانت عليلة أو مريضة.