مرئيات

الحجب العاطفي جدارٌ صخري

بقلم / د. ولاء قاسم

الحب هو أن تعيش في جسد الآخر يحتويك وتحتويه، ولكن رغم تلك الحالة من الإتحاد التي تذوب فيها الفردية لتنشأ هوية جديدة مشتركة يجب الحفاظ على احترام و تقدير كل منا للآخر فإن أسوء أنماط التواصل في العلاقات هي التي يُسحب فيها بساط الاحترام من تحت قدميك بشكل مضلل ومُربك أحياناً وتجبر على قبول ذلك بذريعة الحب ، ويعد الحجب العاطفي أحد أشكال الإساءات العاطفية التي تدل على فقدان الاحترام في العلاقة فهو يُنشأ جدار شاهق من العزلة والإحباط بين قلبين يُفترض أن يكونا متعانقين على الدوام .

سفن الزواج إذا تعرضت للمشاكل والأزمات فليس بالضرورة أن تغرق ولكن يمكن ترميم العلاقة وإصلاحها في أحد الشواطيء الآمنة وبعد التجديد والإصلاح يمكن استئناف الإبحار بإمكانات وقدرات أكبر ، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بالإستجابة للمشاكل ومواجهة الأزمات بشكل مباشر ، فالمشاكل تتعمق حينما يتهرب الأزواج من مواجهتها بتجميدها ووضع جدار صخري بينهم وبين القضية محل النزاع سواء بوعي أو بدون وعي .

العلاقة العاطفية علاقة تراكمية حيث أننا نؤثر ونتأثر بأي اتصال يحصل اثناء العلاقة لذلك فإن تراكم خبراتنا السلبية والإيجابية في العلاقة هو ما يحدد رد فعلنا العاطفي تجاه أي موقف، لذا فإن الاستمرار في المماطلة يعد وصفة سحرية لتقويض الزواج وقتل العلاقة ببطء وصمت ، فهو بمثابة قطع إمدادات الأوكسجين عن العلاقة ، فأنت تحث شريكك على تغير سلوكياته بالانفتاح والتواصل لكنه يواجهك بالرفض القاطع للتواصل أو التجاهل والمماطلة مما يشعرك بالعجز والإحباط .

الحجب العاطفي يمثل استجابة طوعية هدفها إنهاء حديث أو موقف يثير الإضطرابات العاطفية أو الإنزعاج ، وقد يظهر ذلك بأن يبدى أحد الزوجان إشارات تدل على الضيق والملل أو تظهر لغة جسده علامات تدل على أنه لا يستمع من الأساس كأن يرفض التواصل البصري بأن يعقد ذراعية وينظر بعيدا أو يغمض عينيه ، كما قد يخرج من المكان رافضاً النقاش أو ينخرط في سلوكيات عدوانية سلبية تتمثل في التجاهل أو تقليل أهمية المحادثة والتسويف والمماطلة أو عدوان إيجابي بالصراخ والشجار وكيل الإتهامات للآخر في محاولة لقلب الطاولة .

ولابد هنا أن نفرق بين الحجب العاطفي الذي أُحدثكم عنه وهو التهرب من مناقشة القضية محل النزاع ورفض الحديث عنها والانسحاب الكامل الذي قد يستمر لأشهر وبين المغادرة أثناء النقاش لفترة وجيزة بغرض التهدئة واطفاء البركان الانفعالي الذي تم إستثارته أثناء الحوار المشحون عاطفياً ، فالتهدئة مسلك ناضج ولكن المهم أن تعقد النية على مواصلة النقاش والتفاوض بعد استعادة سلامك النفسي .

الحجب العاطفي.. آلية دفاعية يستخدمها الأزواج جذورها الخوف والقلق وتدني قيمة الذات. إنه تكتيك للتلاعب النفسي، يهدف إلى تحييد الحوار في محاولة لإقناع الآخر بالاستسلام ، مما يثير استياء الشريك ويدفعه إلى التشكيك في ذاته وادراكه للواقع ،هذا الحجب العاطفي يفتح الباب أمام تشرذم العلاقة ، فالباحثون يرون أنه مؤشر رئيسي على حدوث الطلاق، حيث إن رفض التواصل لوحة من الجفاف يرسمها الأزواج بريشةٍ تشوه الحميمية العاطفية وتغذي شعوراً بالمسافة والتباعد .

إذا كنت تتعرض للحجب العاطفي من شريكك اقترح عليك بداية أن تمارس طريقة لحماية ذاتك والحد من تصعيد الصراع بتهدئة انفعالاتك .. ولما كان الحجب آلية دفاعية فمن المفيد أن تبدأ النقاش بمقدمة ايجابية وتستعمل ” أنا ” بدلاً ” أنت ” التي تعبر عن صيغة اتهامية للآخر ، حوّل التركز إلى مشاعرك واحتياجاتك فذلك قد يخلق مساحة تفهم وتعاطف حول ذلك الجدار الذي يضعه الشريك بينكما مما يدفعه الى التراجع وتعديل سلوكه.

حاول معالجة أسلوب شريك حياتك في الحجب خارج أوقات النزاع ، ففي لحظات الصفاء ، قد تتاح الفرصة للتدارك ، فحينها تنفتح بصيرة الإنسان، ويصبح أكثر تقبلاً ووعياً بممارساته، عليك أن توضح لشريكك كيف أن هذه الآلية من الحجب تُفاقم المشاكل وتنتج انفصالاً عاطفياً بينكما، كما أنه من المهم أن تبذل جهدك في تجنب أي مثيرات أو محفزات قد تحفز الانسحاب العاطفي لدى شريكك.،فإذا كان ينظر إليك على أنك شخص كثير الإنتقاد أو مفرط في الغضب، فعليك أن تعمل على ذاتك أولاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى