الخبراء أكدوا أن المساواة الرقمية ستعزز الإمكانات المستقبلية للأفراد والمجتمعات
مشاركون طرحوا تصورات لمستقبل التعليم مطلع القرن الثاني والعشرين
المتحدثون ناقشوا أثر الخوارزميات على العادات والسلوكيات
أهمية إعطاء الأولوية للسرد والأصوات المتنوعة بدلاً من التركيز فقط على أحدث التقنيات أو المنصات
دبي – الوحدة:
أكد خبراء ومتحدثون في “منتدى دبي للمستقبل 2024″؛ أكبر تجمع لخبراء ومصممي المستقبل ومؤسساته الدولية من حوالي 100 دولة، في “متحف المستقبل”، على أن تعزيز تكافؤ الفرص الرقمية على المستوى العالمي سيضاعف الإمكانات المستقبلية للأفراد والمجتمعات، لا سيما تلك التي تعاني حالياً من فجوات رقمية.
وبحضور أكثر من 2500 مشارك، ناقشت محاور استشراف المستقبل، ومستقبل التحولات المجتمعية، وفرص أجيال المستقبل، في النسخة الثالثة للمنتدى، تصورات ما قد يكون عليه مستقبل التعليم بعد 75 عاماً في مطلع القرن الثاني والعشرين، كما بحثت أثر الخوارزميات في التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي على العادات والسلوكيات لمختلف الفئات العمرية.
وغطت جلسات محور “استشراف المستقبل” موضوعات مثل “كيف تصبح مصمماً للمستقبل؟” و”كيف ستبدو المؤسسات التعليمية في عام 2100؟” و”إعادة تشكيل النظرة النمطية لمفهوم المساواة”.
كن مصمماً
وضمّت جلسة “كيف تصبح مصمماً للمستقبل؟” كلاً من بيلي انغ، رئيسة الممارسات العالمية لدى شركة “ايبسوس استراتيجي3″، وجان أوليفر شوارز، رئيس معهد “بافاريان لاستشراف المستقبل”، وجوانا ليبور، مؤسِسة مجموعة “فورسايت انسايد”، وحاورهم الدكتور غبرايل ريزو، تنفيذي استشراف المستقبل.
وأجمع الخبراء، على أهمية محو الأمية في استشراف المستقبل ونشر الوعي حول ماهية وظائف استشراف المستقبل، في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى أن المسمى الوظيفي لأكثر من 44,000 شخص مسجل على “لينكدإن” يحمل كلمة “مستقبل”، في حين أن ما يزيد عن 15,000 شخص يعرّفون أنفسهم كـ “خبراء مستقبل”.
وشدّد المتحدّثون على ضرورة التركيز على تطوير المنظومة التعليمية لتكون قادرة على إعداد الجيل الجديد للاضطلاع بفعالية في عملية استشراف المستقبل. وعرض الخبراء، من وجهة نظرهم، المقومات الأساسية المطلوبة لمصمم المستقبل، والتي تبدأ أولاً بالقدرة على فهم الماضي والتحلي بالتواضع والفضول والتواصل الفعال والانفتاح على التعلم والتبادل المعرفي.
مستقبل التعليم
بموازاة ذلك، ناقش المنتدى مستقبل التعليم في جلسة بعنوان “كيف ستبدو المؤسسات التعليمية في عام 2100؟” شارك فيها كلٌ من الدكتور عادل الزرعوني، المؤسس والرئيس التنفيذي لمدرسة “سيتزنز” بدبي، وفاطمة زهانة زهوري، زميلة برنامج استشراف مستقبل الشباب التابع لمنظمة “اليونيسف”، والدكتور مايك ماجي، رئيس جامعة منيرفا، وحاورتهم راية بيدشاهري، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لـ “مدرسة الإنسانية”.
واعتبر الخبراء أن مستقبل المؤسسات التعليمية في مطلع القرن الثاني والعشرين قد يعتمد بشكل مركزي على عوامل عدة أبرزها دور العنصر البشري مع تنامي دور التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية، والتغير المناخي وتحولات سوق العمل في ظل التوقعات بأتمتة ملايين الوظائف خلال العقود المقبلة.
وشدّد الحضور على ضرورة إحداث تغيير حقيقي في أسس المنظومة التعليمية لتكون أكثر مرونة وقابلية لتوفير التعليم المستمر والتعلم مدى الحياة وسط التوقعات بإطالة عمر الإنسان في المستقبل، مع التركيز على إدماج تقنيات التعلم التجريبي وبناء مهارات جديدة، مثل ريادة الأعمال والبحث والتحليل والتفكير النقدي، لتمكين الأجيال القادمة من مواجهة عدم اليقين المستقبلي في ظل التغيرات المتسارعة التي يعيشها عالمنا اليوم.
وحول مواصفات مدارس المستقبل، شدّد الحضور على أنها يجب أن تركز على التجارب التعليمية التي تحفز الفضول والتعاطف وحب المعرفة والقدرة على البحث والتحليل والتوجيه والإرشاد والتواصل والقيادة، مع التمسك بالأطر الأخلاقية لبناء أفراد ومجتمعات أفضل.
وبحثت جلسة “إعادة تشكيل النظرة النمطية لمفهوم المساواة” التي شارك فيها كلٌ من ايلا كولومبو، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لـ “ديوند”، ومونيكا بليسكيت، مؤسِسة “بروتوبيا للدراسات المستقبلية”، وحاورتهما نانسي جيوردانو، المؤسِسة والمديرة التنفيذية لـ “بلاي بيغ إنك”، أهمية وضع معايير أكثر شمولاً لمبدأ المساواة مستقبلاً، حيث اعتبرت المتحدثتان بأنّ البشرية تواجه اليوم أزمتين وجوديتين هما التغير المناخي والذكاء الاصطناعي، مؤكدتين أهمية تبني الذكاء الاصطناعي ليس كأداة فحسب، وإنما كحليف في عملية استشراف وصنع عالم أفضل ومستقبل أكثر استدامة.
وأوضحت المتحدّثتان بأنّ الاعتماد على مفاهيم “الذكاء الجماعي” و”الإبداع الهجين” يمهد الطريق لتحقيق التعايش بين النظم الطبيعية والذكاء البيولوجي، وسط التأكيد على أن صنع مستقبل صالح للعيش وفق نظم حياتية أكثر مرونة وتكافلاً ومساواة يعتمد بالدرجة الأولى على تبني نظرة شمولية مدعومة بأدوات مبتكرة.
أما محور “مستقبل التحولات المجتمعية” فناقش في اليوم الثاني من “منتدى دبي للمستقبل 2024” موضوعات “المساواة في الحقوق وعلاقتها بصحة المجتمع” و”التناغم الرقمي: كيف حولت الخوارزميات حياتنا اليومية؟ ” و”ماذا لو فكر المستثمرون بعقلية مصممي المستقبل؟”
ونبّه المتحدثون في جلسة “المساواة في الحقوق وعلاقتها بصحة المجتمع” إلى أهمية تكافؤ الفرص في الارتقاء بالمخرجات الصحية في مجتمعات المستقبل التي تشمل الجميع في خطط النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
وناقش كلٌ من الدكتور كيرياكوس كوباريس، رئيس وحدة مراقبة الجوع في “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، ونبيل عبدو، مستشار السياسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة أوكسفام الدولية، وخالد العوضي، مدير إدارة شؤون الأعضاء والشراكات في دبي الإنسانية، أهمية تحقيق الأمن الغذائي للمجتمعات الأقل حظاً.
وأشار المتحدثون إلى أن حوالي 76٪ من ثروة العالم تتركز في أغنى 10 دول، في حين أنه منذ عام 2020، ضاعف 5 مليارديرات ثرواتهم، بينما أصبح 5 مليارات شخص أسوأ حالاً.
وأكد نبيل عبدو بأن العديد من الحلول لعدم المساواة باتت عتيقة بسبب التفكير الاقتصادي الربحي المهيمن اليوم. وأشار عبدو إلى ضرورة النظر إلى الماضي والتعلم منه لتحقيق النجاح في المستقبل.
بدوره أكد الدكتور كيرياكوس كوباريس بأن التكنولوجيا ليست حلاً سحرياً. فهي لن تعالج بعض القضايا الأساسية التي أدت إلى حدوث التفاوت في العالم، مبيناً بأن العالم بحاجة إلى التحول إلى نموذج جديد يضع الإنسان في مركز الأولويات بدل التركيز العالمي المنصب على نمو الناتج المحلي الإجمالي.
من جانبه أشار خالد العوضي إلى إمكانية الارتقاء بمنظومة الرعاية الصحية وزيادة مستوى الدعم عالمياً للفئات الهشة، بالإضافة إلى تسهيل الوصول للنظم الصحية، بما يساهم في إنقاذ الأرواح وتعزيز الاستقرار في العالم، مؤكداً أن المستقبل الإنساني يعتبر مهمة جماعية لكل فرد دور مهم فيها. وبيّن العوضي بأن البيانات الضخمة تلعب دوراً حيوياً في صنع القرار والاستعداد للمستقبل.
الخوارزميات وإيقاع الحياة
أما في جلسة “التناغم الرقمي: كيف حولت الخوارزميات حياتنا اليومية؟ ” فناقشت البروفيسورة جانيت سياو، المحاضرة في العلوم الاجتماعية بجامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا، وميثاء الشامسي، المدير التنفيذي لقطاع التمكين المجتمعي في هيئة تنمية المجتمع في دبي، ونيل ريدينج، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ “ريدينج فيوتشرز”، أثر الخوارزميات على سلوكيات الأفراد والمجتمعات.
ودعا المتحاورون إلى تحقيق التوازن مستقبلاً بين استهلاك التكنولوجيا والاعتماد على الرقمنة وبين التواصل الإنساني الفعلي، معتبرين أن اقتراحات المحتوى التي تعرضها شاشات الهواتف المتحركة والأجهزة الذكية أصبحت تتحكم إلى حد كبير في سلوكيات العديد من الناس.
وفي جلسة “ماذا لو فكر المستثمرون بعقلية مصممي المستقبل؟”ناقش كلٌ من الدكتور الكسندر ديل مدير التحديات العالمية “سولف” بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والدكتورة جوديث آيدو،الرئيسة التنفيذية لـ “كازويل كابيتال بارتنرز”، وساشا حيدر، شريك “جلوبال فنتشرز”، النقاط المشتركة بين الاستثمار وتصميم المستقبل.
وأشار المتحدثون إلى أن الاستثمار الجريء والمغامر هو أحد آليات تصميم المستقبل على مدى العصور الماضية. فالاستثمارات التي تصنع الفرص تسهم في تقدم الاقتصادات والعمران والحضارة الإنسانية.
وبحثت جلسات محور “فرص أجيال المستقبل” في اليوم الثاني من المنتدى موضوعات “لو أتيح أن تأخذ غرضاً واحداً من الأرض إلى كوكب آخر.. ماذا سيكون؟” و”مستقبل السرد القصصي” و”كيف يمكننا فهم الظواهر الفلكية الكبرى من منظور استشرافي؟”
وناقشت الدكتورة أدريانا ماريس، عالمة الفضاء ورئيسة مؤسسة تنمية الفضاء في أفريقيا، وباولا زوكوتي، المؤلفة والفنانة ومؤسِسة “ذي أوفرورلد” للاستشارات الإبداعية، خلال جلسة “لو أتيح أن تأخذ غرضاً إلى كوكب آخر”، كيف يمكن للمقتنيات المادية والتفاعلات الإنسانية معها أن تعكس التجارب الإنسانية للأجيال الحالية والمستقبلية.
واعتبر المتحدثون أن المقتنيات المادية قد تشكل مرجعاً للمستقبل وتصاميمه وخططه، بما في ذلك التوسع خارج كوكبنا، وهي تلخص حياة الأفراد وثقافاتهم، وتمكننا من تصميم المنتجات المستقبلية. وتشكل نموذجاً للأجيال القادمة لفهم مجتمعنا وثقافتنا الحالية.
ودعا المتحدثون إلى احترام وجهات النظر المتنوعة لبناء مستقبل أكثر استدامة.
سرد المستقبل
أما جلين جاينور، رئيس قسم الإنتاج المادي في استوديوهات أمازون، والإعلامي عمر بطي، المدير التنفيذي لبرامج الابتكار في لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، والبروفيسور لوني بروكس من مجموعة “أفرو ريثم فيوتشرز”، فتناولوا في جلسة “مستقبل السرد القصصي” أهمية إعطاء الأولوية للأصوات المتنوعة، بدلاً من التركيز فقط على أحدث التقنيات أو المنصات، مؤكدين أن تمكين جيل جديد من رواة القصص هو المفتاح الرئيسي للتغيير الإيجابي والارتقاء بالتجربة الإنسانية.
وأكد المتحدثون على أن السرد القصصي يشكل الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه مستقبل الصناعات الإبداعية مثل السينما والإعلام، وأوضحوا أهمية أن يأتي السرد القصصي في المقدمة ثم التكنولوجيا، وليس العكس إذ يتمتع السرد القصصي بالقدرة على سد الفجوات وتعزيز التعاطف والإلهام لتصور عالم أفضل.
واعتبر المشاركون أن السرد القصصي شكّل، عبر الثقافات والتاريخ، أداة قوية لربط المجتمعات وإحداث التغيير الإيجابي، وإيجاد أرضيات للتفاهم، مؤكدين أن الاستوديوهات والمنصات التي ستزدهر في المستقبل هي تلك التي تعطي الأولوية للسرد القصصي المتنوع والأصيل.
وأجمع المتحدثون على أن مستقبل السرد القصصي ينتمي إلى أصحاب الرؤى والفكر الإبداعي والذين يحرصون على مشاركة رواياتهم ووجهات نظرهم المتميزة مع العالم.
وتطرقت جلسة “كيف يمكننا فهم الظواهر الفلكية الكبرى من منظور استشرافي؟” التي شاركت فيها روز ثيودورا، عالمة الفلك، وسارة أوين، الشريكة المؤسسة لـ “سون” للدراسات المستقبلية، إلى الرؤى القيّمة التي توفرها آليات فهم ظواهر فلكية معينة مما يعزز القدرات الاستشرافية للدراسات والخطط المستقبلية الاستراتيجية.
وأكدت المتحدثتان على أهمية دمج المعرفة وعلوم الفلك مع الدراسات المستقبلية، يعد تبني نهج أكثر شمولية ومرونة من السبل التي تساعد على فهم الأنظمة المعقدة، وتوفير منظور متعدد الأبعاد وأكثر استشرافاً للمستقبل.
ودعت ثيودورا وأوين إلى تشجيع المزيد من البحوث والتعاون لاستكشاف النقاط المشتركة بين الظواهر الفلكية والدراسات المستقبلية.