مرئيات

«منتزه مليحة الوطني» يكشف 210 آلاف عام من التاريخ

● يجسد خمس فترات زمنية من تطور الإنسان في المنطقة

● أُدرج موقعه على قائمة التراث العالمي لليونسكو

● يضم مكتشفات من العصر الحجري القديم ومستوطنات من العصر الحجري الحديث ومقابر من العصر البرونزي

● يضم أحد أقدم الحصون المعروفة من عصور ما قبل الإسلام في دولة الإمارات

الشارقة – الوحدة:

يشهد قلب الصحراء في المنطقة الوسطى بإمارة الشارقة تحولاً استثنائياً؛ فبعد أن كان مجرد صحراء هادئة، أصبح اليوم موطناً لمنتزه مليحة الوطني، أحد أبرز الوجهات التاريخية في المنطقة والعالم، الذي طورته وتديره هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق).

في منتزه مليحة الوطني، يسير الزوار على خطى البشر الأوائل الذين عاشوا في هذه المنطقة قبل أكثر من 210 آلاف عام، ويعبرون في خمس فترات زمنية، فيستكشفون مستوطنات بشرية تعود إلى العصر الحجري الحديث ومقابر من العصر البرونزي، ويتعرفون على أحد أقدم الحصون في شبه الجزيرة العربية من عصور ما قبل الإسلام.

واليوم لم يعد المنتزه كنزاً وطنياً فحسب، بل أصبح جزءاً اساسياً من موقع الفاية، الذي أُدرج رسمياً على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليعزز بذلك مكانة الشارقة على الخريطة الثقافية العالمية، ويقدم مليحة كنموذج أثبت أن الحفاظ على المكتسبات الأثرية والتراثية محرك أساسي يدفع عجلة السياحة والاقتصاد والتعليم.

ثقافة مثمرة

تشير تقارير منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إلى أن السياحة الثقافية تمثل 40% من إجمالي السياحة العالمية. كما تؤكد دراسة مشتركة بين اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن صافي عائد الاستثمار في التراث الثقافي على الاقتصاد المحلي يبلغ 150%، فكل دولار يُستثمر في التراث الثقافي يدعم الاقتصاد المحلي بعائد قدره 2.5 دولار، ويسهم في توفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية.

وفي إمارة الشارقة، يقدم منتزه مليحة الوطني دليلاً ملموساً على نجاح هذا النموذج، إذ أسهم في خلق فرص سياحية جديدة، ابتداء بسياحة المغامرات والتخييم الصحراوي والبرامج التعليمية وانتهاءً بالجولات الأثرية مع مرشدين سياحيين متخصصين، وأصبح وجهة فريدة تجذب الزوار من جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج والعالم.

%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B2%D9%87 %D9%85%D9%84%D9%8A%D8%AD%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A1

منتزه وطني يروي حكايات الماضي العريق

تجربة منتزه مليحة الوطني تمثل رحلة إلى قلب التاريخ، حيث يتميز المنتزه بأصالته وتدعو مناطقه وأركانه ومرافقه الزوار إلى خوض تجارب في مسيرة الحضارة وتاريخ الإنسانية، والتعرف على الأدوات الحجرية والمقتنيات القديمة، والمقابر التاريخية، وبقايا الحصون الأثرية.

تشير الأدلة الأثرية إلى أن البشر الأوائل مروا عبر مليحة خلال هجراتهم المبكرة خارج إفريقيا قبل أكثر من 210 آلاف عام. فيما يكشف موقع من العصر الحجري الحديث في المنتزه يعود إلى 7 آلاف عام، عن أسلوب حياة المجتمعات القديمة التي تشمل ممارسات رعي الحيوانات وصناعة الحُلي، حيث عُثر على قلادة نادرة مصنوعة من عاج بقرة البحر، المعروفة باسم “الأطوم”.

ومن أبرز الاكتشافات التي يضمها المنتزه مقبرة “أم النار” التي بُنيت قبل 4 آلاف عام، وتشتمل على قطع أثرية من بلاد الرافدين ووادي السند، في دليل يثبت أن المنطقة كانت مركزاً للتجارة العالمية القديمة، يتصل براً وبحراً بحضارات العالم القديم التي تبعد آلاف الكيلومترات.

ومن عصور ما قبل الإسلام في القرن الثالث قبل الميلاد، يقف حصن مليحة التاريخي بارزاً وسط الرمال، كمركز لحماية المجتمع ورصد طرق التجارة الداخلية وحمايتها، ويُعد أحد أقدم الحصون معروف في دولة الإمارات العربية المتحدة.

عندما يلتقي التراث بالسياحة المعاصرة

يشكل منتزه مليحة الوطني وجهة متكاملة للتعليم والطبيعة والمغامرات، حيث يقدم مركز مليحة للآثار معارض متخصصة، وسرداً قصصياً رقمياً للتاريخ، وعروضاً فريدة لممارسات البشر الأوائل. ويتيح المنتزه للزوار فرصة الاستمتاع بجولات صحراوية، وتجارب الطيران المظلي، والتخييم الليلي، وجلسات مراقبة النجوم.

وتتماشى استراتيجية المنتزه في الجمع بين العلم والاستدامة مع أحدث التوجهات العالمية، حيث يؤكد المجلس العالمي للسفر والسياحة، أن 73% من المسافرين حول العالم يُفضّلون الوجهات التي تقدم تجارب ثقافية غنية وتلتزم بالمسؤولية البيئية. ويتماشى نموذج السياحة البيئية في مليحة، الذي يجمع بين الحفاظ على التراث والطبيعة وتجارب السفر التفاعلية، مع هذا التحول الإيجابي.

%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B2%D9%87 %D9%85%D9%84%D9%8A%D8%AD%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A2

نموذج للتنمية المستدامة

إن استثمار إمارة الشارقة في مليحة يقدم نموذجاً استشرافياً لبناء المستقبل، فعند إدارة التراث الثقافي باهتمام بالغ ورؤية إبداعية، يصبح هذا التراث محركاً اقتصادياً واجتماعياً فعّالاً، يسهم في دفع عجلة مسيرة التنمية المستدامة.

هذا ما تثبته الدراسات والبحوث، إذ تشير بحوث أجراها المجلس الدولي للآثار والمواقع والبنك الدولي إلى أن دمج المواقع التراثية في استراتيجيات التنمية الوطنية يسهم في تعزيز فرص العمل المحلية بنسبة تتراوح بين 30% و40%، خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية.

ومن خلال منتزه مليحة الوطني، وفرت الشارقة فرص عمل في مجالات الإرشاد السياحي، والضيافة، والحفاظ على الآثار والبيئة، والتعليم، وفي الوقت نفسه، نجحت في حماية أحد أبرز الأصول التاريخية في المنطقة.

تجربة فريدة في يوم واحد

يبعد منتزه مليحة الوطني حوالي ساعة واحدة فقط عن مدينة الشارقة ودبي، ويصحب الزوار في رحلة عبر الزمن، ويروي كل معلم في المنتزه قصة فريدة، يستمع إليها العالم بأكمله، من أقدم الأدوات التي صنعها البشر الأوائل، إلى حصن وقف صامداً لقرون طويلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى