الشارقة – الوحدة:
أكد الباحثون والأدباء المشاركون في البرنامج العلمي لملتقى الشارقة الدول للراوي أن الرحلات والتجارب الشخصية لا تقتصر على التنقل بين الأماكن، بل تلعب دوراً محورياً في إثراء المعارف والعلوم وفهم التاريخ والثقافة الإنسانية ، وقالوا إن أدب الرحلة يمثل جسراً للتواصل بين الشعوب .
أسفار توثق المشاهد والتاريخ
وخلال جلسة بعنوان “تجارب رائدة في عوالم الرحلة ” التي أدارها الباحث علي العبدان قدم الدكتورعبدالعزيزالمسلم رئيس معهد الشارقة للتراث ،رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى ، ورقة بعنوان «من مدائن الريح إلى مدونة مسافر». واستعرض المسلم في ورقته رحلاته المتعددة التي وثقها في مقالاته وكتاباته، بدءاً من مقارناته بين المدن مثل صور في عمان وصور في لبنان، وصولاً إلى رحلته في مدينة حيدر أباد بالهند، حيث عايش تجربة البحث عن الكتب النادرة في أسواقها القديمة ودون مشاهداته عن قلعة جول كوندا العريقة.
أدب الرحلة وعلاقته بالتاريخ والمعرفة
كما تحدث دكتور المسلم عن بداياته في الكتابة عبر مقالاتٍ صحفيةٍ قبل أن تتطور لتصبح مؤلفات توثق أسفاره حول العالم، موضحاً أن رحلاته ارتبطت أيضاً بأسابيع الشارقة الثقافية التي جابت عدداً من العواصم والمدن العالمية، حيث اتخذ من الشوارع الصغيرة والأحياء المحلية مادة رئيسة لسرده، مسلطاً الضوء على قصص الأسماء والذكريات المرتبطة بها. وأكد أن ما يمنح أدب الرحلة قيمته الحقيقية هو قدرة الكاتب على التقاط تفاصيل الحياة اليومية وربطها بالتاريخ والمعرفة، بعيداً عن الطابع الاستهلاكي السائد في بعض أدبيات السفر المعاصرة التي تقتصر على وصف المطاعم والفنادق.
رحلة تكشف وجه أفريقيا
وقدم الكاتب طلال سالم ورقة حول كتابه «إماراتي في نيجيريا»، مسلطاً الضوء على تجربةٍ فريدةٍ خاضها في غرب أفريقيا، موضحاً أنه وجد في نيجيريا وجهة غير مألوفة .
وأكد أن الكتاب يجمع بين أدب الرحلة والسيرة الذاتية، حيث صاغ تجربته بلغة تمزج بين التوثيق الواقعي والتأمل الذاتي، ليكشف عن صورة أخرى لأفريقيا بعيداً عن الصور النمطية المرتبطة بالعنف والفوضى.
مالابار.. سواحل السحر والبهار
أما الباحث والأديب الدكتور خالد البدور فقد عرض رحلته إلى مالابار من خلال كتابه «مالابار.. سواحل السحر والبهار»، متناولاً تجربته في ولاية كيرلا بجنوب الهند، موضحاً أن علاقته بالهند ضاربة في الجذور منذ الطفولة، وأن زيارة مالابار أعادت إليه ذكريات دبي القديمة .
السرد الرحلي والتوثيق
وواصل الملتقى فعاليات برنامجه العلمي عبر جلستين حواريتين تناولت الأولى السرد الرحلي والتوثيق، فيما ركزت الثانية على مشاهدات الرحالة وانطباعاتهم عن البلدان التي زاروها، الأمر الذي أسهم في إثراء الفهم الثقافي والحضاري للحضور.
وخلال جلسة «حكايات الرحالة بين السرد والتوثيق»، أكد فهد علي المعمري أن السرد الرحلي لا يقتصر على نقل الوقائع، بل يمنح الرحلة روحاً وتجربة حيّة للقارئ، بينما التوثيق يضمن مصداقيتها، أما الباحث عوض الدرمكي فقد أكد أهمية المزج بين المتعة والمعرفة، مشيراً إلى أن الرحالة يقدم رؤية ثقافية وحضارية تُثري الذاكرة الجمعية، فيما لفت الدكتور شعيب حليفي إلى أن كل رحلة تمثل جسراً للتواصل بين الشعوب، موضحاً دورها في إثراء الدراسات الأكاديمية والتعلم التأملي، فيما شدد الدكتور عادل العناز على أهمية التوثيق العلمي للحفاظ على قيمة السرد الرحلي وربطه بالماضي والحاضر.
كما انعقدت جلسة أخرى بعنوان «مشاهدات الرحالة وانطباعاتهم عن البلدان المزوره»، حيث أوضحت الأستاذة عائشة راشد الشامسي أن مشاهدات الرحالة تقدم رؤية دقيقة للعادات والتقاليد المحلية، بينما تحدث في الجلسة دكتور سعيد يقطين عن حوافز الرحلة ووظائفها في السيرة الشعبية العربية. فيما أشار الدكتور يحيى العبالي إلى أن دراسة الرحلات تساعد على فهم تطور العلاقات بين الشعوب.، جهته عرض الدكتور عبد الله الخضير تجربته من الأحساء إلى جزر القمرمستعرضاً ثقافة الجزر وحياة أهلها اليومية.
أدب الرحلة قديماً وحديثاً
واستعرضت الجلسة التي جاءت تحت عنوان «رحلات قديمة وأخرى حديثة»، التي أدارتها الأستاذة شيخة المطيري، تجارب ثلاثة من الباحثين البارزين في مجال أدب الرحلة.
حيث قدمت مريم المزروعي ورقتها عن تجربة ابن جبير في كتابه «الأماكن والمسالك في كتب البلدانيين والجغرافيين العرب»، مستعرضة رحلته بين البر والبحر والأسواق التاريخية، مع مقارنة بين مكة والمدينة وبلاد الشام، وركزت على معايير الرحلة مثل الأمن والسرعة،قائلة إن ذلك ألهمها لدراسة الدروب التاريخية من الإمارات إلى السعودية.
من جهته استعرض الدكتور علي عبدالقادر الحمادي ورقته حول أدب الرحلة كوسيلة للتقريب بين الشعوب، مستنداً إلى رحلته الدراسية في المغرب وتوثيقها في كتابه «سرد الأتاي»، وركز على الانطباعات الشخصية والمشاهدات الميدانية لربط التراث الثقافي بين الشارقة والمغرب،
كما عرض الباحث محمد نجيب قدورة حياة وأعمال الرحّال أحمد بن ماجد، مسلطاً الضوء على رحلاته التجارية والاستكشافية في بحر العرب وبحر الصين والبحر الأحمر، ودوره في التربية البحرية من خلال جماعة “أسود البحر”، وتناول مؤلفاته الـ42 التي وثقت اكتشافاته وتقنيات الملاحة.
توقيع كتب جديدة عن الرحالة والعلوم البحرية
وشهدت جلسات الملتقى توقيع مجموعة من الكتب في أدب الرحلات، إذ وقع فهد المعمري كتابه «تلخيص الصفحات في أدب الرحلات»، مستعرضاً بدايات التأليف الرحلي العربي وتطوره، فيما وقع شعيب حليفي كتابه «رحلة في الأدب العربي» الذي ركز على جذور الأدب العربي ودوره في التواصل بين الشرق والغرب عبر طرق التجارة.
كما وقعت الكاتبة نورة الخيال، مديرة الإعلام بمعهد الشارقة للتراث كتاباً لها بعنوان: Maldivia Island of Light الذي يتناول رحلة الرحالة العربي أبو البركات يوسف البربري، ودوره في دخول الإسلام إلى جزيرة المالديف . فيما وقع الباحث محمد نجيب قدورة كتاباً بعنوان «أحمد ابن ماجد: الأيقونة الريادية في العلوم البحرية والفلكية.