في مقال لمجلة فوربس الشرق الأوسط .. عبدالله بن زايد : تغيير نوعي في استجابة الإمارات للجرائم المالية
وام / أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي أن دولة الإمارات تحقق تقدما مشجعا في تسهيل ممارسة الأنشطة التجارية، وجذب المستثمرين الأجانب، وخلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط وتعمل بشكل وثيق وتعاوني مع شركاء دوليين على مواجهة تهديد الجريمة المنظمة والاحتيال وغسل الأموال والفساد على الاقتصاد الإماراتي.
وقال سموه في مقال تحت عنوان “تغيير نوعي في استجابة الإمارات للجرائم المالية” ونشرته مجلة فوربس الشرق الأوسط.. ” لدينا هدف مشترك عبر الاقتصاد يتمثل في منع وكشف وردع النشاط غير المشروع في النظام المالي”.
وأضاف سموه ” نحن ندرك أن حجم وتعقيد الجريمة المالية يتطلب شراكة فاعلة بين القطاع الحكومي والقطاع الصناعي. لهذا السبب نقوم بتعزيز جهودنا للحصول على المعلومات القيمة، مما يجعل من السهل تبادل المعرفة عبر المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون”.
وفيما يلي نص المقال ..
منذ أن تبادل التجار البضائع لأول مرة على طول طريق الحرير قبل 1500 عام، كان من يعيش على هذه الأرض التي نعرفها اليوم باسم الإمارات العربية المتحدة مرتبطين تجاريا مع العالم من حولنا وينعكس ذلك اليوم في تركيبة الاقتصاد الإماراتي وانفتاحه على العالم.
تحتل دولة الإمارات المرتبة 16 عالمياً من بين 190 دولة، في تقرير مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال السنوي الصادر عن البنك الدولي، ونحن نطمح بالطبع إلى تصدر هذه القائمة.
لذا، نعمل حاليا على اتخاذ مبادرات تركز على تسهيل ممارسة الأنشطة التجارية، وجذب المستثمرين الأجانب، وخلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
ونحن نحقق تقدما مشجعا في هذا الصدد.
كما أننا نستضيف اثنين من أفضل 30 مركزا ماليا دوليا وهذه المراكز تنمو بسرعة.
ومع أن النمو السريع والعولمة هما فرصة لإحراز المزيد من التقدم، إلا أن ذلك لا يخلو من المخاطر.
فكما هو الحال مع جميع المراكز المالية العالمية، يجب على الاقتصاد الإماراتي مواجهة تهديد الجريمة المنظمة والاحتيال وغسل الأموال والفساد.
هذه المشكلة متنامية لدى جميع الاقتصادات الكبرى، ونحن في الإمارات العربية المتحدة نأخذها على محمل الجد.
تقدر الأمم المتحدة أن حجم الأموال التي يتم غسلها على مستوى العالم في عام واحد هو 2 – 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل 800 مليار دولار إلى 2 تريليون دولار.
ورغم أن الإمارات العربية المتحدة تمثل نسبة ضئيلة جدا من هذا المبلغ العالمي الضخم، إلا أن التمويل غير المشروع يهدد نزاهة قطاعنا المالي الرائد عالميًا.
لذا فإن هدفنا الجماعي يتمثل في معالجة هذا.
لقد ساعدتنا التكنولوجيا والعولمة في نواح كثيرة، لكنهما وفرتا أيضًا فرصًا للمجرمين في جميع أنحاء العالم لممارسة شتى أنواع الجريمة المالية. فعلى مدى القرون الماضية، كان التجار يتبادلون العملات البرونزية فحسب، إلا أنه في الوقت الحالي تتم 42 مليون عملية دفع إلكترونية يوميا في جميع أنحاء العالم.
لذا، فإن نظامنا المالي العالمي الحديث مترابط بشكل كبير، ويحتاج إلى تعزيز سبل حمايته.
لهذا السبب أترأس اللجنة العليا المشرفة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
هدفنا بسيط، وهو زيادة فعالية الإجراءات لمكافحة الجرائم المالية.
وللقيام بذلك، نعمل ضمن خمسة مبادئ واضحة.
أولا، نحن ندرك أن حجم وتعقيد الجريمة المالية يتطلب شراكة فاعلة بين القطاع الحكومي والقطاع الصناعي. لهذا السبب نقوم بتعزيز جهودنا للحصول على المعلومات القيمة، مما يجعل من السهل تبادل المعرفة عبر المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون.
ثانيا، لدينا هدف مشترك عبر الاقتصاد يتمثل في منع وكشف وردع النشاط غير المشروع في النظام المالي.
فعلى سبيل المثال، يمكن للأجهزة الأمنية في كثير من الأحيان توفير معلومات فريدة عن جهات فاعلة غير مشروعة محددة، أو الاتجاهات عبر المؤسسات والقطاعات المالية، ولكن بدون تفاصيل المعاملات المحددة. كما يمكن للمؤسسات المالية أن ترى تدفقات المدفوعات داخل شركاتها ولكنها تفتقر إلى المعلومات التفصيلية عن الجهات الفاعلة غير المشروعة عبر المؤسسات المالية الأخرى.
إن العمل معا بشكل أكثر تماسكا يفيد جميع الجهات المعنية. وهذا بالضبط ما نقوم به.
ثالثا، نستخدم التحليلات المتقدمة والتكنولوجيا والتحقيق والشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز دفاعاتنا الجماعية. إذ يتيح ذلك لخبرائنا رؤية الصورة الكاملة في الوقت الفعلي، وتطبيق أحكامهم بسرعة على الموضوعات المعقدة والأنماط سريعة الظهور.
رابعا، نعمل بشكل وثيق وتعاوني مع شركاء دوليين.
فقد وقع معالي أحمد بن علي محمد الصايغ وزير دولة، في سبتمبر من العام الماضي، شراكة هي الأولى من نوعها لمعالجة التدفقات المالية غير المشروعة مع معالي بريتي باتيل وزيرة الداخلية البريطانية. ويحقق تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات المشتركة نجاحات ملحوظة بالفعل.
خامسا، نواصل إجراء تقييمات للمخاطر على مستوى الاقتصاد ككل بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. إلى جانب ذلك، فإننا نستثمر بشكل كبير في قدرات الكشف عن الجرائم المالية في دولة الإمارات. وقد تم نقل القطاعات المعرضة لخطر الانتهاكات المالية أكثر من غيرها، مثل تجارة الذهب والعقارات، بشكل شامل إلى نظام الإبلاغ عن مكافحة غسل الأموال المدار اتحاديًا منذ مايو من العام الماضي.
وأصبحت الآن كافة المؤسسات المالية والمحاسبين والمراجعين وتجار المعادن والأحجار الكريمة ووسطاء العقارات مطالبين ومسؤولين عن مراقبة المعاملات المشبوهة والإبلاغ عنها. ويتمتع تطبيق القانون أيضًا بإمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات شاملة للملكية المنتفعة لكافة الجهات المحلية. هذا يساعد على ربط النقاط في القطاع الاقتصادي بسرعة وفعالية.
وفي سياق مماثل، ضاعفت وحدة المعلومات المالية، التي تقيّم تقارير الأنشطة المشبوهة بهدف بدء التحقيقات، من أعداد كوادرها. وبهذا ارتفع معدل إدانات قضايا غسل الأموال بنسبة 94 % في 243 حالة خلال الفترة من 2019 إلى 2021.
كما أعلن كل من مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي ووزارة العدل ووزارة الاقتصاد عن توجيهات جديدة بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء محاكم متخصصة لمكافحة غسل الأموال في أبوظبي ودبي، لتشديد نظام التنفيذ داخل أكبر مراكز الأعمال والتجارة في الإمارات العربية المتحدة.
والنبأ السار هو أننا نحرز بالفعل تقدمًا قويا.
ومن خلال الاستمرار في نهجنا الملتزم، سنقوم بإجراء تغيير حقيقي في قدرتنا على منع التدفقات المالية غير المشروعة وتحقيق هدفنا المتمثل في جعل الإمارات العربية المتحدة واحدة من أقوى الاقتصادات وأكثرها احترامًا في العالم الحديث.